وأصله من التّخويف تقول أنذرت القوم إنذارا بالتخويف ، وفي الشرع على ضربين : مفسر ، كقوله لله عليّ عتق رقبة ، ولله عليّ حجّ فهاهنا يلزم الوفاء ، ولا يجزيه غيره ، وغير مفسّر كقوله : نذرت لله تعالى ألّا أفعل كذا ، ثم يفعله ، أو يقول : لله عليّ نذر ، ولم يسمّه ، فيلزمه كفارة يمين ؛ لقوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «من نذر نذرا ، وسمّى فعليه ما سمّى ، ومن نذر نذرا ، ولم يسمّ فعليه كفّارة يمين» (١).
قوله : (فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ) جواب الشرط ؛ إن كانت «ما» شرطية ، أو زائدة في الخبر ، إن كانت موصولة.
فإن قيل : لم وحّد الضمير في «يعلمه» وقد تقدم شيئان النفقة ، والنذر؟
فالجواب أن العطف هنا ب «أو» ، وهي لأحد الشيئين ، تقول : «إن جاء زيد ، أو عمرو أكرمته» ، ولا يجوز : أكرمتهما ، بل يجوز أن تراعي الأول نحو : زيد أو هند منطلق ، أو الثاني ، نحو : زيد أو هند منطلقة ، والآية من هذا ، ولا يجوز أن يقال : منطلقان. ولهذا أوّل النحاة : (إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما) [النساء : ١٣٥] كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. ومن مراعاة الأول قوله : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها) [الجمعة : ١١] ، على هذا لا يحتاج إلى تأويلات ذكرها المفسرون. وروي عن النّحاس (٢) أنه قال : التقدير : وما أنفقتم من نفقة ، فإنّ الله يعلمها ، أو نذرتم من نذر ، فإنّ الله يعلمه ، فحذف ، ونظّره بقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها) [التوبة : ٣٤] وقوله : [المنسرح]
١٢٣٤ ـ نحن بما عندنا وأنت بما |
|
عندك راض والرّأي مختلف (٣) |
وقول الآخر في هذا البيت : [الطويل]
١٢٣٥ ـ رماني بأمر كنت منه ووالدي |
|
بريئا ومن أجل الطويّ رماني (٤) |
وهذا لا يحتاج إليه ؛ لأنّ ذلك إنما هو في الواو المقتضية للجمع بين الشيئين ، وأمّا
__________________
(١) ذكره الزيلعي في «نصب الراية» (٣ / ٣٠٠) وقال : غريب وأخرجه أبو داود (٣٣٢٢) وابن ماجه (٢١٢٧ ، ٢١٢٨) والدارقطني (٤ / ١٦٠) والطحاوي في شرح معاني الآثار (٣ / ١٣٠) والطبراني في «الكبير» (١١ / ٤١٢) عن ابن عباس بلفظ : من نذر نذرا ولم يسم فعليه كفارة يمين وأخرجه الترمذي (١ / ١٩٧) عن عقبة بن عامر مرفوعا بلفظ : كفارة النذر إذا لم تسم كفارة يمين.
وقال : حديث حسن صحيح غريب.
وأخرجه مسلم (٢ / ٤٥) بلفظ كفارة النذر كفارة يمين.
(٢) ينظر : إعراب القرآن للنحاس ١ / ٢٩٠.
(٣) البيت لمالك بن العجلان وقيل لقيس بن الخطيم وهو في ديوانه (١٧٣) ينظر الكتاب ١ / ٣٨ ، الأشموني ٣ / ١٥٢ ، أمالي ابن الشجري ١ / ٩٦ ، الدر المصون ١ / ٦٤٩.
(٤) البيت لعمرو بن أحمر ينظر ديوانه ص ١٨٧ ، والدرر ٢ / ٦٢ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٢٤٩ ، والكتاب ١ / ٧٥ ، وله أو للأزرق بن طرفة بن العمرد في لسان العرب (جول) ، والدر المصون ١ / ٦٤٩.