فإنّما هو رزق رزقكه الله». فقال عمر بن الخطّاب : «والّذي نفسي بيده ، لا أسأل شيئا ، ولا يأتيني شيء من غير مسألة إلّا أخذته» (١).
والإلحاف ، والإلحاح ، واللّجاج ، والإحفاء ، كلّه بمعنى ، يقال : ألحف ، وألحّ في المسألة : إذا لجّ فيها.
وفي الحديث : «من سأل وله أربعون ، فقد ألحف» (٢) ، واشتقاقه من اللّحاف ؛ لأنه يشتمل الناس بمسألته ، ويعمّهم ؛ كما يشتمل اللّحاف من تحته ويغطّيه ؛ ومنه قول ابن أحمر يصف ذكر نعام ، يحضن بيضه بجناحيه ، ويجعل جناحه لها كاللّحاف : [الوافر]
١٢٥٠ ـ يظلّ يحفّهنّ بقفقفيه |
|
ويلحفهنّ هفهافا ثخينا (٣) |
وقال آخر في المعنى : [الرمل]
١٢٥١ ـ ثمّ راحوا عبق المسك بهم |
|
يلحفون الأرض هدّاب الأزر (٤) |
أي : يلبسونها الأرض ، كإلباس اللّحاف للشيء. وقيل : بل اشتقاق اللفظة من «لحف الجبل» وهو المكان الخشن ، ومجازه أنّ السائل لكثرة سؤاله كأنه استعمل الخشونة في مسألته ، وقيل : بل هي من «لحفني فلان» ، أي : أعطاني فضل ما عنده ، وهو قريب من معنى الأوّل.
قوله : (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) هو نظير قوله (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) ، وليس بتكرار ؛ لأنه لمّا قال في الآية الأولى : (وَما تُنْفِقُوا مِنْ
__________________
(١) أخرجه بهذا اللفظ أبو يعلى (١ / ١٥٦) رقم (١٦٧) وابن أبي شيبة (٦ / ٥٥٣) وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٣ / ١٠٠) وقال : هو في الصحيح باختصار ورواه أبو يعلى ورجاله موثقون.
والذي في الصحيح أخرجه البخاري كتاب الزكاة باب من أعطاه الله شيئا من غير مسألة (١٤٧٣) وكتاب الأحكام باب رزق الحاكم والعاملين عليها (٧١٦٤) ومسلم (١٠٤٥) والنسائي (٥ / ١٠٥) والدارمي (١ / ٣٨٨) والبيهقي (٦ / ١٨٤) عن عمر قال : «كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يعطيني العطاء فأقول : أعطه من هو أفقر مني فقال : خذه إذا جاءك من هذا المال شيء وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه وما لا فلا تتبعه نفسك» واللفظ للبخاري.
(٢) أخرجه بهذا اللفظ الطبراني في «الكبير» (٣ / ١٥٩) والبيهقي (٧ / ٢٤) وأبو نعيم في «الحلية (١ / ١٦١) عن أبي ذر.
وذكره الهيثمي في «المجمع» (٩ / ٣٣١) وقال : ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن يونس وهو ثقة.
وأخرجه النسائي (٥ / ٩٨) وابن خزيمة (٢٤٤٨) عن ابن عمرو مرفوعا بلفظ : من سأل وله أربعون درهما فهو الملحف.
(٣) البيت لعمرو بن أحمر : ينظر البحر ٢ / ٣٢٩ ، الأزهري ٥ / ٣٧٧ ، ٨ / ٢٩٧ ، الدر المصون ١ / ٦٥٩.
(٤) البيت لطرفة بن العبد : ينظر ديوانه (٦٥) ، الأشموني ٢ / ١٩٠ ، جمهرة اللغة ص (٥٥٥) ، المقاصد النحوية ٣ / ٢٠٨ ، عمدة الحافظ ص ٤٥٦ ، اللسان : لحف ، الدر المصون ١ / ٦٥٩.