٨٩] ، وإن ورد النّصّ بصيغة الشّرط كقوله : (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) الآية فهو على التّرتيب ، وهذا غير صحيح لهذه الآية ؛ لأنّ قوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ) يقتضي على قولهم ألّا يجوز استشهاد رجل وامرأتين إلّا عند عدم الرّجلين ، وقد أجمعت الأمّة على جواز ذلك ، عند وجود الرّجلين ، وأنّ عدمهما ليس بشرط ، واستفدنا من هذه الآية سؤالين عظيمين.
الأول : أنّ الصّيغة لا تقتضي التّرتيب.
الثاني : أنّه لا يلزم من عدم الشّرط عدم المشروط ، وهو خلاف الإجماع ، وهو هناك كذلك.
قولنا : إذا لم يكن العدد زوجا ، فهو فرد ، وإن لم يكن فردا ، فهو زوج مع أنّه لا تتوقّف زوجيّته على عدم الفرديّة ، ولا فرديته على عدم الزّوجيّة. بل هو واجب الثّبوت في نفسه ، وجد الآخر أم لا ، وإذا تقرّر هذا ، فالمراد من الآية : انحصار الحجّة التّامّة من الشّهادة ، بعد الرّجلين في الرّجل ، والمرأتين ، فإنّه لا حجّة تامّة من الشّهادة في الشّريعة ، إلّا الرّجلين ، والرّجل ، والمرأتين ، هذا هو المجمع عليه من البيّنة الكاملة ، في الأموال ، فإذا فرض عدم إحداهما ، قبل الحصر في الأخرى ، وقد وضح أنّ الشّرط كما يستعمل في الترتيب ؛ كذلك يستعمل في الحصر ، والكل حقيقة لغوية ، فضابط ما يتوقّف فيه المشروط على الشّرط ، هو الّذي لا يراد به الحصر ، فمتى أريد به الحصر فلا يدلّ على التّرتيب ، بل لا بدّ من قرينة.
قوله : (فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ) يجوز أن يرتفع ما بعد الفاء على الابتداء ، والخبر محذوف تقديره : فرجل ، وامرأتان ، يكفون في الشّهادة ، أو مجزئون ، ونحوه. وقيل : هو خبر والمبتدأ محذوف تقديره : فالشّاهد رجل ، وامرأتان وقيل : مرفوع بفعل مقدّر تقديره : فيكفي رجل ، أي : شهادة رجل ، فحذف المضاف للعلم به ، وأقيم المضاف إليه مقامه. وقيل : تقدير الفعل : فليشهد رجل ، وهو أحسن ، إذ لا يحوج إلى حذف مضاف ، وهو تقدير الزّمخشريّ.
وقيل : هو مرفوع بكان النّاقصة ، والتّقدير : فليكن ممّن يشهدون رجل وامرأتان ، وقيل : بل بالتّامّة وهو أولى ؛ لأنّ فيه حذف فعل فقط بقي فاعله ، وفي تقدير النّاقصة حذفها مع خبرها ، وقد عرف ما فيه ، وقيل : هو مرفوع على ما لم يسمّ فاعله ، تقديره : فليستشهد رجل. قال أبو البقاء : «ولو كان قد قرئ بالنّصب لكان التّقدير : فاستشهدوا» وهو كلام حسن.
وقرئ (١) : «وامرأتان» بسكون الهمزة التي هي لام الكلمة ، وفيها تخريجان.
__________________
(١) انظر : المحرر الوجيز ١ / ٣٨١ ، والبحر المحيط ٢ / ٣٦٢ ، والدر المصون ١ / ٦٧٥.