(وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ) ، ولم يذكر أبو البقاء تضعيفه. وكان ينبغي أن يضعّفه بما ضعّف وجه الصّفة ، وهو للفصل بينهما ، وضعّفه أبو حيّان (١) بأنّ البدل يؤذن أيضا بالاختصاص بالشّهيدين الرّجلين فيعرى عنه رجل وامرأتان قال شهاب الدين : وفيه نظر ؛ لأنّ هذا من بدل البعض إن أخذنا «رجالكم» على العموم ، أو الكلّ من الكلّ إن أخذناهم على الخصوص ، وعلى كلا التّقديرين ، فلا ينفي ذلك عمّا عداه ، وأمّا في الوصف فمسلّم ؛ لأنّ لها مفهوما على المختار.
الرابع : أن يتعلّق باستشهدوا ، أي : استشهدوا ممّن ترضون. قال أبو حيان (٢) : «ويكون قيدا في الجميع ، ولذلك جاء متأخّرا بعد الجميع».
قوله : (مِنَ الشُّهَداءِ) يجوز أن يتعلّق بمحذوف على أنّه حال من العائد المحذوف ، والتّقدير : ممّن ترضونه حال كونه بعض الشّهداء. ويجوز أن يكون بدلا من «من» بإعادة العامل ، كما تقدّم في نفس (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ) ، فيكون هذا بدلا من بدل على أحد القولين في كلّ منهما.
فصل
قوله (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ) كقوله تعالى في الطلاق : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) [الطلاق : ٢] وهذه الآية تدلّ على أنّه ليس كلّ أحد يكون شاهدا ، والفقهاء شرطوا في الشّاهد الّذي تقبل شهادته عشرة شروط : أن يكون حرّا بالغا ، مسلما عدلا ، عالما بما شهد به ؛ ولا يجر بتلك الشّهادة منفعة إلى نفسه ، ولا يدفع بها مضرّة عن نفسه ، ولا يكون معروفا بكثرة الغلط ، ولا بترك المروءة ، ولا يكون بينه وبين من يشهد عليه عداوة.
وقيل : سبعة : الإسلام ، والحريّة ، والعقل ، والبلوغ ، والعدالة ، والمروءة وانتفاء التّهمة.
قوله : «أن تضلّ» قرأ حمزة (٣) بكسر «إن» على أنّها شرطيّة والباقون بفتحها ، على أنّها المصدرية النّاصبة ، فأمّا القراءة الأولى ، فجواب الشّرط فيها قوله «فتذكّر» ، وذلك أنّ حمزة رحمهالله يقرأ (٤) : «فتذكّر» بتشديد الكاف ورفع الراء ؛ فصحّ أن تكون الفاء ، وما في حيّزها جوابا للشّرط ، ورفع الفعل ؛ لأنّه على إضمار مبتدأ ، أي : فهي تذكّر ، وعلى هذه القراءة فجملة الشّرط والجزاء هل لها محلّ من الإعراب أم لا؟
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٢ / ٣٦٣.
(٢) ينظر : المصدر السابق.
(٣) انظر : السبعة ١٩٤ ، والكشف ١ / ٣٢٠ ، والحجة ٢ / ٤١٨ ، وحجة القراءات ١٥٠ ، وشرح الطيبة ٤ / ١٣٤ ، ١٣٥ ، وشرح شعلة ٣٠٥ ، وإعراب القراءات ١٠٤ ، والعنوان ٧٦ ، وإتحاف ١ / ٤٥٩.
(٤) انظر : المصدر السابق.