والثالث : أن يتعلّق بمحذوف على أنه حال من الهاء ، قاله أبو البقاء (١).
قوله : «ذلكم» مشار به لأقرب مذكور وهو الكتب.
وقال القفّال : إليه وإلى الإشهاد.
وقيل : إلى جميع ما ذكر وهو أحسن. و «أقسط» قيل : هو من أقسط إذا عدل ، ولا يكون من قسط ، [لأنّ قسط] بمعنى جار ، وأقسط بمعنى عدل ، فتكون الهمزة للسّلب ، إلا أنه يلزم بناء أفعل من الرباعي ، وهو شاذّ.
قال الزّمخشريّ : «فإن قلت ممّ بني أفعلا التّفضيل ـ أعني أقسط وأقوم؟ ـ قلت : يجوز على مذهب سيبويه أن يكونا مبنيّين من «أقسط» ، و «أقام» وأن يكون «أقسط» من قاسط على طريقة النّسب بمعنى : ذي قسط ؛ و «أقوم» من قويم». قال أبو حيّان رحمهالله : لم ينصّ سيبويه على أنّ أفعل التّفضيل يبنى من «أفعل» ، إنّما يؤخذ ذلك بالاستدلال ، فإنّه نصّ في أوائل كتابه على أنّ «أفعل» للتعجب يكون من فعل وفعل وفعل وأفعل ، فظاهر هذا أن «أفعل» للتعجب يبنى منه أفعل للتّفضيل ، فما جاز في التّعجب جاز [في] التّفضيل ، وما شذّ فيه شذّ فيه. وقد اختلف النّحويّون في بناء التّعجّب ، وأفعل التّفضيل من أفعل على ثلاثة مذاهب : الجواز مطلقا ، والمنع مطلقا ، والتفصيل بين أن تكون الهمزة للنّقل ، فيمتنع ، أو لا فيجوز ، وعليه يؤوّل الكلام ، أي : كلام سيبويه ، حيث قال : «إنه يبنى من أفعل» ، أي : الذي همزته لغير التّعدية. ومن منع مطلقا قال : «لم يقل سيبويه ، وأفعل بصيغة الماضي» إنّما قالها أفعل بصيغة الأمر ، فالتبس على السّامع ، يعني : أنه يكون فعل التّعجب على أفعل ، بناؤه من فعل ، وفعل ، وفعل ، وعلى أفعل. ولهذه المذاهب موضع هو أليق بالكلام عليها.
ونقل ابن عطيّة أنه مأخوذ من «قسط» بضمّ السّين نحو : «أكرم» من «كرم». وقيل : هو من القسط بالكسر وهو العدل ، وهو مصدر لم يشتقّ منه فعل ، وليس من الإقساط ؛ لأنّ أفعل لا يبنى من «الإفعال». وهذا كله بناء منهم على أنّ الثلاثيّ بمعنى الجور والرّباعيّ بمعنى العدل.
ويحكى أنّ سعيد بن جبير لمّا سأله الظّالم [الحجّاج] بن يوسف : ما تقول فيّ؟ فقال : «أقول إنّك قاسط عادل» ، فلم يفطن له إلا هو ، فقال : إنه جعلني جائرا كافرا ، وتلا قوله تعالى : (وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً) [الجن : ١٥] (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) [الأنعام : ١].
وأمّا إذا جعلناه مشتركا بين عدل ، وبين جار فالأمر واضح قال ابن القطّاع : «قسط ، قسوطا ، وقسطا : جار وعدل ضدّ». وحكى ابن السيّد في كتاب : «الاقتضاب» له عن ابن
__________________
(١) ينظر : المصدر السابق.