وقرأ (١) عاصم هنا «تجارة» بالنّصب ، وكذلك «حاضرة» ؛ لأنها صفتها ، ووافقه الأخوان ، والباقون قرءوا بالرّفع فيهما. فالرّفع فيه وجهان :
أحدهما : أنها التامة ، أي : إلا أن تحدث ، أو تقع تجارة ، وعلى هذا فتكون «تديرونها» في محلّ رفع صفة لتجارة أيضا ، وجاء هنا على الفصيح ، حيث قدّم الوصف الصريح على المؤول.
والثاني : أن تكون النّاقصة ، واسمها «تجارة» والخبر هو الجملة من قوله : «تديرونها» كأنه قيل : إلا أنّ تكون تجارة حاضرة مدارة ، وسوّغ مجيء اسم كان نكرة وصفه ، وهذا مذهب الفراء (٢) و [تابعه] آخرون.
وأمّا قراءة عاصم ، فاسمها مضمر فيها ، فقيل : تقديره : إلا أن تكون المعاملة ، أو المبايعة ، أو التجارة. وقدّره الزّجاج (٣) إلّا أن تكون المداينة ، وهو أحسن. وقال الفارسيّ : «ولا يجوز أن يكون [التّداين] اسم كان ؛ لأنّ التّداين معنى ، والتّجارة الحاضرة يراد بها العين ، وحكم الاسم أن يكون الخبر في المعنى ، والتّداين حقّ في ذمة المستدين ، للمدين المطالبة به ، وإذا كان كذلك لم يجز أن يكون اسم كان لاختلاف التّداين ، والتّجارة الحاضرة» وهذا الرد لا يظهر على الزجاج ، لأنّ التّجارة أيضا مصدر ، فهي معنى من المعاني لا عين من الأعيان ، وأيضا فإنّ من باع ثوبا بدرهم في الذّمّة بشرط أن يؤدى الدّرهم في هذه السّاعة ، كان مداينة ، وتجارة حاضرة.
وقال الفارسيّ أيضا : ولا يجوز أيضا أن يكون اسمها «الحقّ» الذي في قوله : «فإن كان الّذي عليه الحقّ» للمعنى الذي ذكرنا في التّداين ، لأنّ ذلك الحقّ دين ، وإذا لم يجز هذا لم يخل اسم كان من أحد شيئين :
أحدهما : أنّ هذه الأشياء التي اقتضت من الإشهاد ، والارتهان قد علم من فحواها التبايع ، فأضمر التّبايع لدلالة الحال عليه كما أضمر لدلالة الحال فيما حكى سيبويه رحمهالله (٤) : «إذا كان غدا فأتني» ؛ وينشد على هذا : [الطويل]
١٢٩٠ ـ أعينيّ هلّا تبكيان عفاقا |
|
إذا كان طعنا بينهم وعناقا (٥) |
أي : إذا كان الأمر.
__________________
(١) انظر : السبعة ١٩٤ ، والكشف ١ / ٣٢١ ، والحجة ٢ / ٤٣٦ ، وحجة القراءات ١٥١ ، وشرح الطيبة ٤ / ١٣٦ ، وشرح شعلة ٣٠٥ ، وإعراب القراءات ١ / ١٠٤ ، ١٠٥ ، وإتحاف ١ / ٤٦٠.
(٢) ينظر : معاني القرآن للفراء ١ / ١٨٥.
(٣) ينظر : معاني القرآن للزجاج ١ / ٣٦٦.
(٤) ينظر : الكتاب لسيبويه ١ / ١١٤.
(٥) ينظر : معاني الفراء ١ / ١٨٦ ، الدر المصون ١ / ٦٨٣.