بعض ، وأمّا قياسه على الباري تعالى ، فلا أدري ما الجامع بينهما؟ وكان في كلام الزمخشريّ ما هو أولى بالاعتراض عليه. فإنه قال : وقرأ (١) الأعمش : «يغفر» بغير فاء مجزوما على البدل من «يحاسبكم» ؛ كقوله : [الطويل]
١٣٠٣ ـ متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا |
|
تجد حطبا جزلا ونارا تأجّجا (٢) |
وهذا فيه نظر ؛ لأنه لا يطابق ما ذكره بعد ذلك ؛ كما تقدّم حكايته عنه ؛ لأن البيت قد أبدل فيه من فعل الشرط ، لا من جوابه ، والآية الكريمة قد أبدل فيها من نفس الجواب ، ولكنّ الجامع بينهما كون الثاني بدلا ممّا قبله وبيانا له.
وقرأ أبو عمرو (٣) بإدغام الراء في اللام ، والباقون بإظهارها ، وأظهر الباء قبل الميم هنا ابن كثير بخلاف [عنه] ، وورش عن نافع ، والباقون (٤) بالإدغام ، وقد طعن قوم على قراءة أبي عمرو ؛ لأنّ إدغام الراء في اللام عندهم ضعيف.
قال الزمخشريّ : «فإن قلت : «كيف يقرأ الجازم»؟ قلت : يظهر الراء ، ويدغم الباء ، ومدغم الراء في اللام لاحن مخطئ خطأ فاحشا ، وراويه عن أبي عمرو مخطئ مرتين ؛ لأنه يلحن وينسب إلى أعلم الناس بالعربية ما يؤذن بجهل عظيم ، والسبب في هذه الروايات قلّة ضبط الرواة ، وسبب قلة الضبط قلة الدراية ، ولا يضبط نحو هذا إلا أهل النّحو» قال شهاب الدين (٥) : وهذا من أبي القاسم غير مرضيّ ؛ إذ القرّاء معتنون بهذا الشأن ؛ لأنهم تلقّوا عن شيوخهم الحرف [بعد الحرف] ، فكيف يقلّ ضبطهم؟ وهو أمر يدرك بالحسّ السمعيّ ، والمانع من إدغام الراء في اللام والنون هو تكرير الراء وقوتها ، والأقوى لا يدغم في الأضعف ، وهذا مذهب البصريّين : الخليل وسيبويه ومن تبعهما ، وأجاز ذلك الفراء والكسائيّ والرّؤاسيّ ويعقوب الحضرميّ ورأس البصريّين أبو عمرو ، وليس قوله : «إن هذه الرواية غلط عليه» بمسلّم ، ثم ذكر أبو حيان (٦) نقولا عن القراء كثيرة ، وهي منصوصة في كتبهم ، فلم أر لذكرها هنا فائدة ؛ فإنّ مجموعها ملخّص فيما ذكرته ، [وكيف] يقال : إنّ الراوي ذلك عن أبي عمرو مخطئ مرتين ، ومن جملة رواته اليزيديّ إمام النّحو واللغة ، وكان ينازع الكسائيّ رئاسته ، ومحلّه مشهور بين أهل هذا الشّأن.
__________________
(١) انظر : الدر المصون ١ / ٦٩١ ، والتخريجات النحوية ١٤٤.
(٢) تقدم برقم ١٨٣.
(٣) انظر : السبعة ١٢١ ، إتحاف ١ / ٤٦٢ ، والبحر المحيط ٢ / ٣٧٧ ، والدر المصون ١ / ٩١ د.
(٤) وقرأ بالإدغام هنا قالون ، وحمزة ، بخلاف عنهما ، وأبو عمرو ، والكسائي وخلف ، ووافقهم اليزيدي والأعمش انظر : إتحاف فضلاء البشر ١ / ٤٦١ ، والدر المصون ١ / ٦٩١.
(٥) ينظر : الدر المصون ١ / ٣٩٢.
(٦) ينظر : الكتاب لسيبويه ٢ / ٤١٧.