كذلك ، مرت عير لقريش تحمل زبيبا ، وأدما ، وتجارة من تجارات الطائف فيهم عمرو بن الحضرمي والحكم بن كيسان ، وعثمان بن عبد الله بن المغيرة ، ونوفل بن عبد الله المخزوميّان ، فلما رأوا أصحاب رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ هابوهم ، فقال عبد الله بن جحش إنّ القوم قد ذعروا منكم ، فاحلقوا رأس رجل منكم ؛ وليتعرض لهم ، فحلقوا رأس عكاشة ، ثم أشرفوا عليهم ؛ فقالوا : قوم عمّار ، لا بأس عليكم فأمنوهم وكان ذلك في آخر يوم من جمادى الآخرة. فكانوا يرون أنّه من جمادى ، وهو من رجب فتشاور القوم ، وقالوا : لئن تركتموهم الليلة ؛ ليدخلنّ الحرم ، فليمنعنّ به منكم ، فأجمعوا أمرهم في مواقفة القوم ، فرمى واقد بن عبد الله السّهمي عمرو بن الحضرميّ بسهم ، فقتله ، فكان أوّل قتيل من المشركين ، واستأسر الحكم وعثمان ، فكانا أوّل أسيرين في الإسلام ، وأفلت نوفل فأعجزهم ، واستاق المؤمنون العير والأسيرين ، حتّى قدموا على رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ في المدينة ، فقالت قريش : لقد استحلّ محمد الشهر الحرام ؛ فسفك فيه الدّماء ، وأخذ الأموال فما شهر يأمن فيه الخائن ، وغير ذلك ، فقال أهل «مكّة» من كان بها من المسلمين وقالوا : يا معشر الصّبأة ، استحللتم الشهر الحرام ، وقاتلتم فيه ، فقال عبد الله بن جحش : يا رسول الله : إنّا قتلنا ابن الحضرمي ، ثم أمسينا فنظرنا إلى هلال رجب فلا ندري : أفي رجب أصبناه ، أم في جمادى.
فوقّف رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ العير ، والأسارى ؛ وأبى أن يأخذ شيئا من ذلك ، فعظم ذلك على أصحاب السريّة ، وظنّوا أن قد هلكوا ، وسقط في أيديهم ، وأكثر الناس في ذلك ، فأنزل الله هذه الآية ، فأخذ رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ العير ، فعزل منه الخمس ، فكان أول خمس في الإسلام ، وقسّم الباقي بين أصحاب السّريّة ، وكان أول غنيمة في الإسلام وبعث أهل مكة في فداء أسيرهما فقال : بل نبقيهما حتّى يقدم سعد وعتبة ، وإن لم يقدما ، قتلناهما بهما ، فلمّا قدما ؛ فاداهما ، فأمّا الحكم بن كيسان ، فأسلم ، وأقام مع رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بالمدينة ، فقتل يوم بئر معونة (١) شهيدا ، وأمّا عثمان بن عبد الله ، فرجع إلى مكة ؛ فمات بها كافرا ، وأمّا نوفل فضرب بطن فرسه يوم الاحزاب (٢) ؛ ليدخل
__________________
(١) قال ابن إسحاق : بئر معونة بين أرض بني عامر وحرّة بني سليم وقيل : بئر معونة بين جبال يقال لها : أبلى في الطريق المصعد من المدينة إلى مكة وهي لبني سليم ؛ قاله عرام. وقال أبو عبيدة في كتاب مقاتل الفرسان : بئر معونة ماء لبني عامر بن صعصعة. ينظر معجم البلدان ١ / ٣٥٨ ، ٣٥٩.
(٢) في شوال سنة خمس من الهجرة خرجت قريش وغطفان في عشرة آلاف مقاتل ، بعد أن دفعهم نفر من اليهود إلى ذلك ، وما أن علم الرسول بخروجهم حتى ضرب الخندق على المدينة بمشورة سلمان الفارسي ، وأقبلت قريش ومن تبعها من كنانة وأهل تهامة ، حتى نزلت بمجتمع الأسيال ، ونزلت غطفان ، ومن تبعهم بجانب «أحد» وخرج الرسول ـ عليهالسلام ـ في ثلاثة آلاف من ـ