والثاني : قال أبو مسلم (١) : التّوبة في اللّغة عبارة عن الرّجوع ، ورجوع العبد إلى الله في كلّ الأحوال محمود.
واعترضه القاضي (٢) : بأن التّوبة ـ وإن كانت في أصل اللغة الرّجوع ـ إلا أنها في عرف الشّرع عبارة عن النّدم على الفعل الماضي ، والتّرك في الحاضر ، والعزم على ألّا يفعل مثله في المستقبل ؛ فوجب حمله على المعنى الشّرعيّ دون اللّغويّ.
ولأبي مسلم أن يجيب : بأنّ مرادي من هذا الجواب ، أنّه إن أمكن حمل اللّفظ على التّوبة الشّرعيّة ، فقد صحّ اللّفظ ، وإن تعذّر ذلك ، حملناه على التّوبة بحسب اللّغة الأصليّة.
قوله : (وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) فيه وجوه :
أحدها : المراد منه التّنزّه عن الذّنوب والمعاصي ، قاله مجاهد (٣).
فإن قيل : كيف قدّم ذكر المذنب على من لم يذنب؟
فالجواب : قدّمه لئلا يقنط التّائب من الرّحمة ، ولا يعجب المتطهّر بنفسه ؛ كقوله في آية أخرى : (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ) [فاطر : ٣٢] ، قاله القرطبي (٤).
الثاني : قال عطاء ومقاتل بن سليمان والكلبيّ : «يحبّ التّوّابين من الذّنوب ، والمتطهّرين بالماء من الأحداث والنّجاسات» (٥).
الثالث : قال مقاتل بن حيّان : يحب التّوّابين من الذّنوب ، والمتطهّرين من الشّرك (٦).
الرابع : قال سعيد بن جبير : التّوّابين من الشّرك ، والمتطهّرين من الذّنوب (٧).
الخامس : أن المراد ألا يأتيها في زمان الحيض ، وألّا يأتيها في غير المأتى على ما قال : (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ).
قال بعضهم : وهذا أولى ؛ لأنه أليق بنظم الآية ، ولأنّه ـ تعالى ـ قال حكاية عن قوم
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ٦٠.
(٢) ينظر : المصدر السابق.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٣٩٦) عن مجاهد.
(٤) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ٦١.
(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٣٩٥) وأورده السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٤٦٦) وعزاه لوكيع وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عطاء.
(٦) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٩٨.
(٧) أخرجه ابن أبي حاتم عن الأعمش بمعناه كما في «الدر المنثور» (١ / ٤٦٦ ـ ٤٦٧).