الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ) [الإسراء : ١١] ، (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ) [يونس : ١١].
وقال القاضي (١) : هو كلّ ما يقع سهوا من غير قصد ؛ لقوله تعالى بعد ذلك : (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) ، أي : يؤاخذكم إذا تعمّدتم ، ومعلوم أنّ المقابل للعمد هو السّهو ، حجّة الشّافعي ـ رضي الله عنه ـ ما روت عائشة ـ رضي الله عنها ـ ؛ أنّ النّبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قال : «لغو اليمين قول الرّجل في قلبه : كلّا والله ، بلى والله ، لا والله» (٢).
وروي أنّه ـ عليه الصلاة والسلام ـ مرّ بقوم ينتضلون ، ومعه رجل من أصحابه ، فرمى رجل من القوم ، فقال : أصبت والله ، ثم أخطأ فقال الّذي مع النّبي عليه الصلاة والسلام : حنث الرّجل يا رسول الله ، فقال النّبيّ ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «كلّ أيمان الرّماة لغو لا كفّارة فيها ، ولا عقوبة» (٣).
وأيضا فقوله : (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) هو الّذي يقصد الإنسان على سبيل الجدّ ، ويربط قلبه به ، وإذا كان كذلك ، وجب أن يكون اللّغو كالمقابل له ، ويكون معناه: ما لا يقصد الإنسان بالجدّ ، ولا يربط قلبه به ، وذلك هو قول القائل في عرض حديثه : لا والله ، وبلى والله من غير قصد على سبيل العادة.
وأيضا : فإنّه قال قبل هذه الآية : (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ) وتقدّم أنّ معناه : النّهي عن كثرة الحلف ، والّذين يقولون على سبيل العادة لا والله ، وبلى والله ، لا شك أنّهم يكثرون الحلف واليمين ، فلمّا ذكرهم الله ـ تعالى ـ عقيب قوله : (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ) ، وبين أنّه لا مؤاخذة عليهم ، ولا كفارة ، فإيجاب مؤاخذتهم يقتضي إمّا أن يمتنعوا عن الكلام ، أو يلزمهم في كلّ لحظة كفّارة ، وكلاهما حرج في الدّين.
واحتجّ أبو حنيفة بوجوه :
الأول : قوله ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ : «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الّذي هو خير وليكفّر عن يمينه» (٤) ، فأوجب الكفّارة على الحانث مطلقا ، ولم يفصل بين الجدّ والهزل.
الثاني : أنّ اليمين معنى لا يلحقه الفسخ ، فلا يعتبر فيه القصد كالطّلاق والعتاق ، وهاتان الحجّتان توجبان الكفّارة في قول النّاس لا والله ، وبلى والله ، إذا حصل الحنث.
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ٦٨.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٤٢٩) عن عائشة مرفوعا وأخرجه البخاري (١١ / ٤٧٦) وأبو داود (٣ / ٣٠٤) رقم (٣٢٥٤) ومالك في «الموطأ» (٢ / ٤٧٧) والبيهقي (١٠ / ٤٨) عن عائشة موقوفا.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٤٤٤) عن الحسن مرسلا وأورده الحافظ ابن كثير في «تفسيره» (١ / ٥٢٧) من هذا الوجه وقال : هذا مرسل حسن عن الحسن.
(٤) تقدم.