واليمين بصفاته ؛ كقوله : وعزّة الله ؛ وعظمة الله ؛ وجلال الله ، وقدرة الله ، ونحوها.
فإذا حلف بشيء منها على أمر في المستقبل فحنث ، وجبت عليه الكفّارة ، وإذا حلف على أمر ماض أنه كان ولم يكن وقد كان ، إن كان عالما به حال اليمين ، فهو اليمين الغموس وهو من الكبائر ، وتجب فيه الكفّارة عند الشّافعيّ ، عالما كان أو جاهلا (١).
وقال أصحاب الرّأي : إن كان عالما ، فهو كبيرة ، ولا كفّارة لها كسائر الكبائر ، وإن كان جاهلا ، فهو يمين اللّغو عندهم.
واحتجّ الشّافعيّ بهذه الآية على وجوب الكفّارة في اليمين الغموس ؛ قال : «لأنّه ـ تعالى ـ ذكر ههنا المؤاخذة بكسب القلب ، وقال في آية المائدة : (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ) [المائدة : ٨٩] ، وعقد اليمين محتمل لأن يكون المراد به العقد الّذي مضادّه الحلّ ، فلما ذكر ههنا قوله : (بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) علمنا أن المراد من ذلك العقد هو عقد القلب ، وأيضا ذكر المؤاخذة ، ولم يبيّن تلك المؤاخذة ما هي ، وبيّنها في آية المائدة بقوله : (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ) ، فتبيّن أن المؤاخذة هي الكفّارة ، فكل مؤاخذة من هاتين الآيتين مجملة من وجه ، مبيّنة من وجه آخر ، فصارت كل واحدة منهما مفسّرة للأخرى من وجه ، وحصل من كلّ واحدة منهما أنّ كلّ يمين ذكر على سبيل الجدّ وربط القلب به ، فالكفّارة واجبة فيها ، ويمين الغموس كذلك ، فكانت الكفّارة واجبة فيها.
__________________
(١) قالت الأئمة الثلاثة : «الأيمان ثلاثة : لغو ؛ ومنعقدة : وهو الحلف على أمر مستقبل ليفعلنّ أو ليتركن ؛ وغموس : وهو ما كان الحالف بها عالما بكذبه فيما حلف عليه.
فقالت الحنفية والحنابلة : لا كفّارة فيها ، سواء تعلقت بالماضي أو بالحال ؛ لقوله ـ صلىاللهعليهوسلم : «خمس من الكبائر لا كفارة لهن : الإشراك بالله تعالى ، والفرار من الزحف ، وبهت المؤمن ، وقتل المسلم بغير حق ، والحلف على يمين فاجرة يقتطع بها مال امرئ مسلم».
وقالت المالكية : اليمين الغموس إن تعلّقت بالحال أو الاستقبال ، ففيها الكفارة ، ولعل وجهتهم في ذلك أن اليمين عند تعلقها بالماضي يكون الكذب فيها محققا ، والذنب فيها عظيما ، فتصير أكبر من أن تعمل فيها الكفارة ، أما عند تعلقها بالحال أو بالاستقبال فيكون الأمر على خلاف هذا ، فتصبح قريبة من اليمين المنعقدة ، وتأخذ حكمها فتعمل فيها الكفارة.
وبالنظر في أدلّة كلّ : نرى أن القول بعدم الكفارة من غير توبة في يمين الغموس هو الراجح ؛ لأن الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أخبر بصريح العبارة بأنه لا كفارة فيها ، وأما استدلال الشافعية بشمول الآية لها مطلقا فغير ظاهر ؛ لما تقدم من الحديث. وأما تفرقة المالكية في اليمين الغموس بين الماضي والحال والمستقبل ـ فدعوى يعوزها الدليل ، ويردها قول الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «خمس من الكبائر لا كفارة فيها ... الخ» وعد منها اليمين الغموس ؛ لأنه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لم يفرق في الغموس بين الماضي وغيره ، فالتوبة مسقطة لحق العبد ، والكفارة لحق المولى سبحانه.