______________________________________________________
أما إذا جحد فواضح ، وأما إذا عزم على الجحود فيقال فيه : إنه قد سبق أن المستودع لا يضمن بمجرد قصد الخيانة ما لم يحسن ، بخلاف الملتقط. وهذا مخالف له. وقد أجاب عن ذلك شيخنا الشهيد في بعض حواشيه بعد تمهيد مقدمة هي : إنه إذا وجد للمجتهد حكما مختلفان في مسألة فلتوجيه كلامه طريقان :
أحدهما : تقرير النصين مهما أمكن.
والآخر : تحصيل القولين ، أي : إثبات خلاف له في المسألة ، والعدول إلى الثانية مشروط بتعذر الأولى.
إذا تقرر هذا ، فتقرير النصين هنا : بأن يفرق ما ذكر سابقا وما هنا ، بأن المذكور سابقا هو عدم كون المستودع خائنا وضامنا بمجرد قصد الخيانة ، والمذكور هنا هو كونه بمجرد قصد المنع للمالك يصير غاصبا وضامنا ، ولا يعد في ذلك ، لأنه بقصد الخيانة لم يخرج يده عن كونها يد نيابة للمالك في الحفظ ، إذ الفرض انه لم يقصد كون المال له ، فهو مع هذا القصد قائم بما استنابه المالك فيه مثبت يده باذنه فلم يحصل تعد.
ومجرد النية لا يوجب حصول التعدي ، بخلاف ما إذا قصد منع المالك من العين ، فإن يده حينئذ لنفسه ، فلا يكون نائبا للمالك ، فلا يكون إثبات يده حينئذ هو المأذون فيه من المالك ، فيكون إثباتا بغير حق ، فيصدق عليه تعريف الغاصب. وهذا فرق حسن جلي ، ولو أن هذا الفرق لم يتم لقلنا إن للمصنف في المسألة قولين ، فيكون هذا رجوعا عما سبق.
ويطرد هذا في الأمانات ، حتى يقال : إن الثوب الذي أطارته الريح الى دار الغير مثل اللقطة في ضمانه بمجرد قصد الخيانة ، ومال الإجارة بمنزلة الوديعة لا يضمن بقصد الخيانة ويضمن بالجحود ، وقصد منع المالك ونحو ذلك من الأمانات.