المريض لو ظنّ في مضرّة غذاء محرّم (١) عليه ، أكله ، فالعقاب إنّما يترتّب على مخالفة وجوب الدفع وإن لم يترتّب على حكم المظنون ، فيعود المحذور.
قلت : لا نسلّم وجوب دفع كلّ مضرّة لا يرجع إلى العقاب شرعا ، وإنّما المسلّم منه فيما لو كان مرجعها إلى البدن كما فيما فرضه من التمثيل ، أمّا فيما لا يرجع إلى البدن بل كان مرجعه إلى انحطاط الرتبة وعدم الارتقاء إلى العالم الأعلى والبعد عن ساحة القرب ـ كما هو كذلك في أغلب الأحكام الشرعية ـ فلو لم نقل بقيام الإجماع على عدم لزوم تداركها وتحصيل ما يعالجها ، فلا أقلّ من عدم دليل على لزومه كما لا يخفى فتدبّر.
اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ العقل يستقلّ في الحكم بلزوم دفع بعض المضارّ المترتّب على غير البدن أيضا لو لم يزد حفظ العقل على النفس ، فلا أقلّ من عدم نقصه عنه ، وهذا ظاهر لا سترة عليه.
ثمّ إنّه لا يخفى عدم استقامة الكبرى على عمومها ؛ فإنّ الشارع قد ألغى الظنّ في جملة من الموارد كما في صورة الظنّ بالنجاسة والظنّ بالطهارة مثلا.
وأمّا ما أوردناه في دفعه في الجواب عن النقض (٢) بالقياس والخبر الفاسق والكافر على ما هو المنقول من (٣) المعارج (٤) من احتمال وجود مصلحة في الترك تغلب على المفسدة المترتّبة عليه ، فهو بظاهره ينافي القول بالتخطئة على ما هو الصواب عندنا كما يظهر وجهه ممّا قدّمنا في الانتصار عن ابن قبة.
ومحصّله أنّ بعد انسداد باب العلم وحكم العقل بقيام الظنّ مقامه حيث إنّه هو الأقرب للعلم ، فلو قلنا بجواز إلغاء بعض الظنون وترك العمل به ، يلزم نقض الغرض في وجه ، وخلاف الفرض في وجه آخر ، فلو رام في دفع ذلك إلى جعل الظنّ جزء الموضوع وعدم أخذه مرآتا ، لزم التصويب وهو خطأ عندنا ، فتأمّل ؛ فإنّه لا يخلو عن
__________________
(١) « ل » : يحرم.
(٢) « ش » : البعض.
(٣) « ل » : في.
(٤) تقدّم في ص ١٦٧.