الموارد للبراءة.
قلت : أمّا أوّلا ، فلا شكّ في أنّها دعوى محالة ، فإنّ العلم بالموجبة الجزئية كما هو المفروض ينافي الظنّ بالسالبة الكلّية ؛ لاستلزامه اجتماع المتنافيين كما لا يخفى.
وأمّا ، ثانيا فلو سلّمنا إمكان الفرض ، فهو غير واقع ؛ لأنّ الظنّ إنّما يحصل من الأمارات الحاصلة عندنا من الأخبار والشهرات والإجماعات ، ومن المعلوم بالضرورة عدم موافقتها في جملة من الموارد للبراءة ، فإنّ الغالب فيها ، ولا أقلّ من التساوي ، ولا أقلّ من جملة كثيرة إثبات الأحكام المخالفة لأصالة البراءة.
وأمّا ثالثا ، فبعد الغضّ عن وقوعه أيضا نلتزم بعدم جواز عمله بظنّه وعدم جواز العمل بفتواه لمقلّديه لوجود المخالفة القطعية على تقديره في جملة كثيرة ، فليعمل بما يقتضيه الاحتياط والاشتغال ، أو العمل ببعض مظنوناته من الظنون القوية ، أو يختار ما يريد من موارد ظنّه هذا.
ثمّ إنّ صاحب المعالم والمحقّق البهائي (١) وجماعة ممّن تقدّم قد قالوا في دفع احتمال البراءة بأنّ أصالة البراءة ضعيفة بعد ورود الخبر ، وكأنّهم أرادوا أنّ الظنّ الحاصل من البراءة بعد ورود الخبر الواحد على خلافه ضعيف لا يقاوم الظنّ الحاصل من الخبر ، ولعلّ ذلك منهم مبنيّ على القول بحجّية البراءة من جهة إفادتها الظنّ وهو بمكان من الضعف كما قرّر في محلّه من أنّها حجّة قطعية في مجراها تعبّدا شرعيا بل (٢) وعقليا ، فإنّه لا تكليف إلاّ بعد البيان ، فإن أرادوا الظنّ بالنسبة إلى الحكم الواقعي ، فلا ريب في عدم حصوله ، وعلى تقديره لا حجّية (٣) فيه ، وإن أرادوا الظنّ بالنسبة إلى الحكم الظاهري ، فسقوطه واضح حيث إنّها بالنسبة إليه دليل قطعي لا مجال لإنكاره.
__________________
(١) معالم الدين : ١٩٢ ـ ١٩٣ ؛ زبدة الأصول : ٩٢.
(٢) « ل » : ـ بل.
(٣) « ل » : حجّة.