فيكشف ذلك عن أنّه لم يرض لنا بالعمل بما في أيدينا مطلقا بادّعاء كفاية مثل ذلك في نصب الطريق ، وعدم افتقاره إلى أمر آخر غير ما ذكر ، فلا نسلّم وجود المنصوب منه عندنا ؛ لاحتمال انتفاء موضوعه ، فإنّه يحتمل أن يكون المنصوب منه هو الخبر العادل الواقعي ، أو الخبر المستفيض ، أو الخبر العدل من غير واسطة مثلا ، ومصاديقه ليست بموجودة عندنا بواسطة حدوث السوانح ، وعروض الحوادث ، فيقطع التكليف به ؛ لارتفاع موضوعه.
وبالجملة : إنّ مجرّد العلم الإجمالي ونصب الطريق على تقديره لا يلازم بقاءه في زمننا ، فيحتمل أن لا يكون الطريق المنصوب في الطرق الموجودة عندنا بواسطة انتفاء مصاديقه لدينا ، فلا تكليف به ، فيقطع الاستدلال بواسطة قيام الاحتمال.
الثالث : سلّمنا العلم الإجمالي بطريق منصوب من الشارع موجود عندنا لكنّه مع ذلك لا يقضي بإعمال الظنّ فيها لوجود القدر المشترك المتّفق عليه بين الكلّ في البين ، فهو معلوم تفصيلا ، وغيره مشكوك كذلك ، فلا وجه للعمل بالظنّ.
توضيحه : أنّه إذا دار الأمر بين الأقلّ والأكثر إذا كانا غير مرتبطين كأن دار الأمر بين وجوب ثلاثة أمور ، أو أربعة ، فلا شكّ في أنّ الأقلّ معلوم الوجوب ولو بالنسبة إلى الأكثر حينئذ ، بخلاف ما (١) إذا كانا متباينين كما إذا دار الأمر بين وجوب أمر ووجوب غيره ، فعلى الأوّل ، فلا وجه للعمل بالظنّ فيه ، وعلى الثاني ، فقد يحتمل على بعض الوجوه كما يظهر ممّا سيجيء ، وما نحن فيه من قبيل الأوّل ، فإنّ كلّ من قال باعتبار الشهرة ، فقد قال باعتبار الإجماع المنقول ، ومن قال باعتبارهما ، فقد قال باعتبار الحسان والموثّقات من الأخبار ، ومن قال باعتبارها ، فقد قال باعتبار الصحاح على ما هو المشهور فيها ، ومن قال باعتبارها ، فقد قال باعتبار الصحاح بالمعنى المختار عند صاحب المعالم والمدارك ، وعلى قياسه الكلام فيما إذا لاحظناها
__________________
(١) « ل » : « بخلافها » بدل : « بخلاف ما ».