لكان الواجب أوّلا أخذ الطريق ومعرفته ، ثمّ الحكم بعد ذلك بالعمل بمؤدّاها ، وعلى تقديره يصير معلوما كما لا يخفى ، فليتأمّل.
فإن قلت : إنّ منع العلم الإجمالي بنصب الطريق مكابرة ؛ إذ من المعلوم أنّا لو تشرّفنا بحضور الإمام ، وسألنا من أنّ المرجع لنا في الأحكام بعد انسداد باب العلم أيّ شيء؟ وعلى أيّ طريق نرجع ، فلا حجّة يهدينا إلى سبيل ، ويوصلنا إلى طريق؟ ولو كان مطلق الظنّ أيضا ، فنحن نعلم إجمالا أنّ الطريق في الأحكام موجود إمّا الظنون الخاصّة أو مطلق الظنّ ، فيعمل في طريقه الظنّ ، ويتمّ المطلوب.
قلنا : لا يخفى على المتأمّل في المقام ، فساد هذا الكلام ، فإنّ القول بطريقية الظنّ المطلق ليس في عرض القول بطريقية غيره من الظنون الخاصّة حتّى يصحّ القول بالعلم الإجمالي بهما ، فإنّه يترتّب على انسداد باب الظنون الخاصّة ، والترديد لا يتصوّر بينها وبين الظنّ مطلقا كما أنّ الأصول العملية ليست في مرتبة الأدلّة الاجتهادية ، فإنّ فرض وجودها ينافي وجود الظنّ ؛ إذ على تقديرها يرتفع القول بالظنّ المطلق ارتفاعا موضوعيا فكما أنّ المجتهد لا يتردّد أمره بين الأخذ بالأصول وبين الأدلّة الاجتهادية فكذا في المقام لا يتعقّل الترديد بينهما ؛ إذ على تقدير جريان دليل الانسداد نعلم علما تفصيليا بطريقية مطلق الظنّ ، وعلى تقدير عدم جريانه بواسطة وجود الظنون الخاصّة نعلم علما تفصيليا بطريقية غيره.
نعم ، يصحّ هذا فيما إذا لم يدخل المجتهد في المسألة ، فإنّه يعلم أنّ مرجعه بعد الدخول إمّا الأصل ، أو الظنّ المطلق ، وإمّا الأدلّة الاجتهادية ، أو الظنون الخاصّة.
وأمّا بعد دخوله في المسألة ، فلا ترديد له كما عرفت ؛ إذ بعد وجود الدليل فالأصل أو الظنّ لا مجرى لهما قطعا ، وعلى تقدير عدمه ، فالمرجع إليهما قطعا ، فتدبّر.
الثاني : سلّمنا وجود العلم الإجمالي بنصب الطريق من جهة العلم بأنّ الشارع مثلا قد أمضى بعض الطرق العرفية ، ونهى عن بعض آخر ، فتصرّف فيها جرحا وتعديلا ،