وقلّما يتّفق مطابقتها للواقع كحسن الظنّ بالمدّعي مثلا ولا سيّما بالنسبة إلى خصوص آحاد المكلّفين المختلفين بحسب قوّة تخيّلاتهم ، وضعفها المنتهية إلى اختلاف مراتب أغراضهم ، وبخلاف الظنون المستعملة في الأحكام للمقلّدين من الحدسيات والتخمينيّات المختلفة بحسب اختلاف آرائهم ، ولعمري لو أنّه يجوز للمقلّد إعمال ظنّه في تشخيص الأحكام ، لكان كلّ واحد منهم متديّنا بغير ما تديّن به الآخر ، وينجرّ ذلك إلى اضمحلال الدين وفساد شريعة خاتم النبيّين وكساد طريقة سيّد المرسلين ، وهل هذا إلاّ هرج ومرج.
نعم ، لو فرض تمكّن المقلّد من تشخيص الأحكام بمثل ما يشخّص به الموضوعات من الظنون المنضبطة ، لقلنا بجواز إعماله فيها ولا ضير فيه إلاّ أنّه خارج عن مفروض الكلام في المقام.
وأمّا ما ذكره (١) من عدم جواز رجوع المقلّد إلى الميّت الأعلم من جهة ، فمع أنّه ليس بذلك المعلوم ، فإنّه طالما تشاجروا فيه ، فهذا هو المحقّق القمّي (٢) وضرب (٣) من الأخبارية (٤) مجوّزون لذلك ، فالوجه فيه ما عرفت من قيام الإجماع عليه ، ولولاه لما كان القول بتلك المكانة من البعد.
وبالجملة ، فكما أنّ أسباب تمييز (٥) الواقع والطريق إليه فيما نحن فيه متّحدة فإنّها في المقامين هي الإجماعات والأخبار والشهرات مثلا ، فكذا (٦) لو كان في المثالين المقيس
__________________
(١) « ش » : ذكر.
(٢) القوانين ٢ : ٢٦٥ وما بعدها.
(٣) « ل » : حزب.
(٤) الفوائد المدنية : ٢٩٩ وفي ط الحجري : ١٤٩ ؛ سفينة النجاة المطبوع مع الأصول الأصيلة للفيض : ١٣٩ ؛ مفاتيح الشرائع ٢ : ١٥٢ ؛ المفتاح : ٤٩١ ؛ كشف الأسرار للسيّد نعمة الله الجزائري ٢ : ٧٧ ـ ٩٢. انظر هداية الأبرار : ٣٠٣ ؛ مطارح الأنظار ( بحث اشتراط الحياة في المفتي ) ٢ : ٤٣١ وألّف السيّد نعمة الله الجزائري كتابه منبع الحياة فى حجّية قول المجتهد من الأموات في ذلك.
(٥) « ش » : تميّز.
(٦) سقط قوله : « بالجملة فكما » إلى هنا من « ل ».