التخلّف على تقدير الاعتماد عليها ، فنحن ـ كما نراجع وجداننا مرّة بعد أخرى ، وكرّة بعد أولى ـ لا نرى في نفوسنا عند الاعتماد على الطرق المقرّرة إلاّ من حيث إنّها كاشفة عن الواقع مبيّنة له ، ولا يكاد ينكره إلاّ مكابر ، أو من لا حظّ له من الفهم في شيء.
وإن أراد أنّ المتداول في الإفادة والاستفادة إنّما هو الطرق المقرّرة الكاشفة عن الواقع لا من حيث إنّها طرق تعبّدية مشتملة على المصلحة المتداركة ، فغير مفيد فيما هو بصدده.
أمّا أوّلا ، فلأنّ الطرق المقرّرة عند العقلاء إنّما هي الطرق التي فطرهم على الاعتماد عليه ، وخلقهم معتمدين به ، فكلّ ما راجعوا إليه ، فهو طريقهم ، إن علما فعلم ، وإن ظنّا فظنّ ، فلا وجه للقول بانسداد باب العلم فيها.
وأمّا ثانيا ، فلأنّ الطرق المعوّلة (١) عليها عند العقلاء ليس (٢) إلاّ من جهة المرآتية والطريقية ، فلو فرضنا انسداد باب العلم فيها ، فلا بدّ من تحصيل مقدّمة أخرى غير المقدّمة المنسدّ فيها باب العلم ، ولا يقضي انسداد باب العلم فيها بإعمال الظنّ فيها كما لا يخفى.
ثمّ إنّ الإمضاء من الشارع لا يزيد على حكم العقل بالامتثال من جهة الإرشاد ، ومنشأ الاشتباه هو الخلط بين الإرشاد والإمضاء ، فكما أنّ العقل بعد ملاحظة الأمر من الشارع يحكم على جهة الإرشاد بالامتثال ، فكذا الشارع إمضاؤه للطريق معناه إرشاده بالامتثال من الطريق ، فقد يتخيّل أنّ مجرّد هذا الإرشاد يقيّد (٣) للأحكام الواقعية فكأنّها (٤) لم تكن مجعولة أصلا ، غير منجّزة في حقّنا ؛ لما تقدّم في الردّ على الوجه الأوّل المنقول من الفصول.
وبالجملة ، إنّ القول بشأنية الأحكام الواقعية بأسرها إنّما يتمّ بعد انتفاء العلم رأسا
__________________
(١) كذا. والصحيح : المعوّل.
(٢) كذا. والصحيح : ليست.
(٣) في النسختين : تقيّد.
(٤) « ش » : فكأنّه.