الأحكام الواقعية المعلومة بالإجمال.
ومن هنا قد أورد عليه المحقّق الجمال (١) بأنّ اللازم على تقديره وجوب المقدّمة دون ذيها إلاّ أن يلتزم بوجوبها نفسا وأصلا كما احتمله المستدلّ هذا في بحث المقدّمة (٢) ، وبالجملة ، فلا (٣) فرق في تنجّز التكليف بين أن يكون المكلّف عالما بالإجمال أو بالتفصيل إلاّ أنّ جعل البدل في الظاهر على الثاني غير معقول بخلاف الأوّل ، فيجوز للشارع أن يجعل في مرحلة الظاهر عند العلم الإجمالي بدلا من الأحكام الواقعية كالبراءة ونحوها من الاكتفاء بواحد من المعلومات الإجمالية في الشبهة المحصورة والاحتياط ، وهذا هو منشأ النزاع في البراءة والاحتياط.
الثانية : أنّ العقل بعد ما علم بالتكليف وقطع به ، وتنجّزه في حقّه يحكم حكما أوّليا بوجوب تفريغ الذمّة وتحصيل فراغها ، والتخلّص عن العقاب اللازم على تقدير المخالفة ولو بإسقاط الأمر كإدخال نفسه في موضوع غير موضوع المكلّفين كاختيار السفر عند وجوب الصوم وإحراق الثوب عند وجوب الغسل مثلا (٤) ، ولا يتفاوت في ذلك مراتب العقول ، فإنّ هذا هو الذي فطرهم الله عليه حتّى أنّ ضعفاء العقول أيضا لايرتابون في ذلك بل الحيوانات العجم أيضا تقضي به.
نعم ، قد يزيد على ذلك في العقول الكاملة بواسطة علوّها في مدركاتها ، فإنّها تحكم بلزوم الإطاعة والامتثال والإتيان بالمأمور به من حيث كونه محبوبا للآمر ، وكون الآمر حقيقا لأن تمتثل أوامره ، أو كون المأمور جديرا لأن يتعبّد (٥) بأوامر مولاه إلى غير ذلك من اختلاف مراتب الإطاعة والامتثال.
__________________
(١) الحاشية على شرح اللمعة : ٣٤٥.
(٢) هداية المسترشدين : ٢١٨ ، في بحث هل يتصوّر وجوب المقدّمة قبل وجوب ذيها؟ وسيأتي نصّ عبارته في بحث البراءة تعليقة ص ٥٠١.
(٣) « ل » : لا.
(٤) « ل » : ـ مثلا.
(٥) « ش » : + بأوامره.