القطع بأنّ المدرك هو حكم الله تعالى ، فلا يجامع احتمال حرمته الأخبار فيه ؛ لأدائه إلى خلاف الفرض المستلزم لاجتماع النقيضين على ما لا يخفى ، فالأخبار الواردة في المقام على ما زعموه مخالفة (١) للقطع ، فلا بدّ من حملها على ما كانوا يتعاطونه في تلك الأزمنة من استنباط الأحكام الشرعية من القياسات العاميّة مضافا إلى أنّه هو الظاهر من مساقها ؛ لوضوح عدم نهوضها على النهي عن طريقة الاستدلال بالبراهين العقلية القطعية في استنباط الأحكام الشرعية مع ظهور معارضتها بالأخبار الدالّة على حجّية العقل كقوله عليهالسلام : « به يثاب ويعاقب (٢) » (٣) وقوله عليهالسلام : « العقل ما عبد به الرحمن » (٤) وقوله عليهالسلام في رواية هشام المروية في الكافى : « أنّ لله حجّتين حجّة في الظاهر وهي الرسل وحجّة في الباطن وهو العقل » (٥) سيّما بعد اعتضادها بعمل الكلّ وخصوصا مع حمل الكلّ لها على ما عرفت.
وقد يقال في وجه الحمل باختصاص الأخبار الناهية في العقل الغير الصافي ، والآمرة بالعقل الصافي. وهو تحكّم لا شاهد عليه.
والحاصل أنّه لا فرق في ترتّب أحكام القطع عليه بين حصوله من دليل عقلي ، أو نقلي ـ سواء كانت تلك الأحكام قبل حصوله كوجوب تحصيله في المطالب الاعتقادية ، أو مقارنة لحصوله كاستحالة التكليف بخلافه ، أو بعد حصوله كأحكام الطهارة والنجاسة والكفر والإيمان والقضاء والإعادة إلى غير ذلك ـ فعلى مدّعي الفرق كالأخباري إقامة دليل بيّن في الفرق بينهما ، وتخصيص ما يدلّ على عدم الفرق مع امتناع تخصيصها عقلا بل شرعا ، فإنّه من بديهيات المعلومات.
__________________
(١) في النسختين : مخالف.
(٢) « ل » : وبه يعاقب.
(٣) انظر الوسائل ١٥ : ٢٠٤ و ٢٠٨ ، باب ٨ ، باب وجوب طاعة العقل ومخالفة الجهل ، ح ١ و ١٠.
(٤) الوسائل ١٥ : ٢٠٥ ، باب ٨ من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، ح ٣.
(٥) الكافى ١ : ١٦ ، كتاب العقل والجهل ، ح ١٢ ؛ عنه في الوسائل ١٥ : ٢٠٧ ، باب ٨ من أبواب جهاد النفس ، ح ٦.