ودعوى أصالة عدم الحجّية في غير النقلي ـ بعد ما مرّ من بداهة اعتبار العلم ـ ظاهرة الوهن ، بيّنة الفساد.
ثمّ إنّه يمكن أن يفصّل في المقام بأن يقال : العلوم العقلية قسمان :
قسم يكون من طريق المصالح والمفاسد التي هي علل للأحكام الشرعية عند العدلية كأن يستدلّ على الحكم استدلالا لمّيّا مثل ما استدلّ بعضهم في لزوم عدالة الولي للصغير بأنّه يستحيل في حكمة الشارع تسليط من لا يأتمن على مال الطفل الذي لا يقدر على القيام بمصالحه ومفاسده.
وقسم ليس كذلك بل استدلال إنّي كالاستدلال على وجوب مقدّمة الواجب وحرمة الضدّ ، فيقال بحرمة القسم الأوّل تنزيلا للأخبار الناهية عليه ، وبصحّة الثاني حملا للأخبار الدالّة على حجّية العقل عليه ، والشاهد على ذلك دلالة سياقها عليه.
مضافا إلى تعارف الاستدلال اللمّي في زمنهم ، ولا مانع من حملها على العقل القطعي نظرا إلى جواز التكليف بما لا يطاق وبخلاف المعلوم إذا كان ناشئا عن سوء الاختيار على ما يراه بعضهم ، ولا ينافيه تداول الاستدلالات العقلية بين علمائنا ؛ لكونها من الدليل الإنّي دون اللمّي ، فإنّ الوسط في البراهين المتداولة بينهم مأخوذ من الشرع كما في الحكم بوجوب المقدّمة وحرمة الضدّ بخلاف اللمّ ؛ فإنّ الوسط فيه مستنبط من العقل ولو ظنّ المستنبط كونه قطعيا.
لا يقال : في الأحكام المأخوذة من العلم كحرمة الظلم ونحوها لا يمكن أن يقال : إنّ الوسط مأخوذ من الشرع.
لأنّا نقول : أمثال ذلك مأخوذة (١) من العقل المستقلّ من الضروريات ، ولو لا ذلك ، لما كان من اللمّي ، ويشهد بذلك ملاحظة خبر أبان (٢) أيضا في وجه دون وجه ؛ لأنّه يمكن
__________________
(١) في النسختين : مأخوذ.
(٢) في هامش « ش » : روى المشايخ الثلاثة [ في الكافى ٧ : ٢٩٩ ، باب الرجل يقتل المرأة ، ح ٦ ؛