وللخصم أن يختار شقّا ثالثا وهو العمل بالظنّ المظنون الحجّية (١) ، فيختار خصوصية ظنّ (٢) من جهة الظنّ بالحجّية ، ولا شكّ أنّه لا يلزم حينئذ الترجيح بلا مرجّح.
ثمّ أورد على نفسه بما (٣) حاصله : أنّ ترجيح الظنّ بالظنّ لا يتمّ إلاّ بعد القول بأصالة حجّية كلّ ظنّ ، فإنّ الظنّ المتعلّق بمثله لا بدّ وأن يكون حجّة حتّى يصحّ به الترجيح.
وأجاب عنه بأنّه خلط بين ترجيح الشيء وتعيينه ، وناش عن عدم الفرق بينهما ، فمهّد لبيان مطلبه في الفرق بينهما مقدّمة ، ثمّ فرّع عليها ما نحن بصدده ، ومحصّله : أنّ الترجيح بلا مرجّح الذي يحكم العقل ببطلانه وامتناعه هو الكون مع أحد الطرفين والميل إليه والأخذ به من غير مرجّح وإن لم يحكم بتعيينه وجوبا ، وأمّا الحكم بذلك ، فهو أمر آخر وراء أصل الترجيح ، والحكم بلا دليل غير الترجيح بلا مرجّح ، وشتّان ما بينهما ، فالمرجّح غير الدليل ، والأوّل يكون في مقام الميل والعمل ، والثاني في مقام التصديق والحكم ، وليس المراد من الأخذ بالظنّ المظنون الحجّية أنّه يجب العمل به ، والحكم بأنّه واجب العمل والتصديق به حتّى يلزم ما ذكره ، بل غرض المورد أنّه بعد ما يلزم على المكلّف ببقاء التكاليف (٤) وانسداد باب العلم العمل بظنّ في الجملة ، لو عمل بالظنّ المظنون حجّية ما تقرّر فيه ، وأيّ نقض يلزم عليه؟ واستوضح ذلك بأمثلة عرفية :
منها : أنّه لو حضر طعامان عند أحد أحدهما ألذّ من الآخر ، فلو أكل هذا الشخص الألذّ ، لم يرتكب ترجيحا بلا مرجّح وإن لم يلزم أكل الألذّ ، ولكن لو حكم بلزوم أكله ، لا بدّ من تحقّق دليل عليه ، ولا يكفي مجرّد الأولويّة (٥). نعم ، لو كان أحدهما
__________________
(١) بعده في المصدر : أي يختار أنّ خصوصية هذا الظنّ من جهة الظنّ بالحجّية.
(٢) في المصدر : الظنّ.
(٣) « ل » : ما.
(٤) « ل » : التكليف.
(٥) في المصدر : الألذّية.