وعدمه ، وعلى قياسه الكلمة المشهورة على لسانهم من قبح ترجيح المرجوح على الراجح ، وتفضيل المفضول على الفاضل ، فإنّ أمثال ذلك لا تخفى عن العاقل فضلا عن الفاضل.
وأمّا الثاني ، فلأنّ قولهم : المرجّح غير الدليل كما في الشهرة ؛ حيث يقولون بأنّها مرجّحة (١) لا دليل عند تعاضده بأحد الاحتمالين ، معناه أنّها توجب مزيّة لأحد الاحتمالين لم يكن قبل ، فإن أحدثت فيه المزيّة على وجه قطعي بأنّ المرجع هو هذا الاحتمال ، فلا شكّ أنّ المرجّح حينئذ دليل للحكم ، فإنّه جزء أخير للعلّة التامّة لحصول العلم المعبّر عنها بحسب الاصطلاح بالدليل وإن لم يوجب العلم بكون الموافق للمرجّح هو المرجّح ، فلا بدّ في إثبات كونه مرجّحا من دليل معتبر ، فإن قام على كونه مرجّحا دليل ، فهو دليل أيضا ؛ لأنّه جزء أخير لعلّة العلم بالحكم ، وإلاّ فيبقى عاطلا لا مرجّحا ، ولا دليلا ، مثلا لو احتملنا وجوب صلاة الجمعة وحرمتها بواسطة أمارة عليها ، ووافق إحدى الأمارتين الشهرة ، فإن حصل لنا القطع بحجّية ما وافق الشهرة من حيث موافقتها لها ، فلا كلام ، وإلاّ فإن دلّ دليل على اعتبار الشهرة عند تعارض الأمارتين كقوله عليهالسلام : « خذ بما اشتهر بين أصحابك » (٢) فلا شكّ في أنّ المرجّح هو الدليل ، وإلاّ فوجود الشهرة كعدمها لا يوجب علما ولا شيئا آخر فيما هو المقصود.
وحاصل الكلام في المقام أنّ نتيجة دليل الانسداد أنّه يجب العمل بظنّ في الجملة على تقدير إهمالها ، وترجيح الظنّ وتعيين الواجب منه بالظنّ يرجع في محصّل معناه إلى الحكم والتصديق بأنّ المرجع بعد الانسداد إلى مظنون الاعتبار في سلاسل الظنّ ، والحكم والتصديق موجود من الموجودات الإمكانية التي تحتاج في وجودها إلى سبق عللها ، وعلّة التصديق في الاصطلاح هو الدليل ، ودليلية الظنّ المتعلّق بالظنّ لتعيين الواجب ليس بيّنا (٣) ، وإلاّ لكان في مطلق الظنّ أيضا كذلك كما هو المفروض ، ولا مبيّنا ،
__________________
(١) في النسختين : مرجّح.
(٢) قطعة من مرفوعة زرارة الآتية في ج ٤ ، ص ٥٨٢.
(٣) « ل » : مبيّنا.