وتجويزه يوجب انسداد باب إثبات الصانع.
وإن أراد أنّ مرجع الحكم والاعتقاد بأكل الألذّ لا يلزم أن يكون ملزما ، فهذا أيضا كسابقه ظاهر البطلان ، فإنّ العلم أيضا موجود من الموجودات الإمكانية ، وجميع سلسلة الإمكان في وجوداتها (١) محتاج إلى سبق عللها ، وما لم يكن مرجّح وجود العلم موجودا ، أو ملزما بحيث يمتنع معه جميع أنحاء عدمه ، يمتنع وجوده على قياس المثال (٢) ما نحن فيه ، فإنّ مرجّح اختيار الظنّ المظنون لا مناص من أن يكون ملزما له ، وإلاّ فيلزم المحذور السابق ، وكذا مرجّح الاعتقاد والحكم بأنّ بعد الانسداد المرجع هو الظنّ المظنون اعتباره لا بدّ وأن يكون مستندا إلى دليل يورث له ، وهذا ظاهر لا سترة عليه ، فإنّ مجرّد تعلّق الظنّ بالظنّ لا يصير مرجّحا للعمل بالظنّ ما لم يكن ملزما ، فالظنّ لو جوّزنا أن يكون ملزما لشيء ، فلم لا يكون ملزما للحكم الواقعي أيضا؟ وإلاّ فلا وجه في التزامه العمل بالظنّ أيضا ، فما أورد على نفسه في محلّه ، وما أجاب عنه غير مستقيم ، وكان منشأ الخلط أحد الأمرين :
أحدهما : ما قد يقال من أنّ الترجيح بلا مرجّح قبيح ، فإنّه قد يتراءى منه أنّ المرجّح ما به يصير أحد طرفي الفعل أولى من الآخر ، فيجوز صدور الآخر إلاّ أنّ الأولى هو صدور الطرف الراجح من الفاعل كما يظهر من تمثيله بالمسافر والأكل.
وثانيهما : ما قد يظهر منهم في باب التعارض والتراجيح من أنّ المرجّح غير الدليل ، وكلّ منهما لا دلالة له على ما ذكره.
أمّا الأوّل ، فلأنّ معناه أنّ ترجيح أحد المتساويين وإيجاده (٣) على الآخر بمرجّح وملزم لا يعدّ في نظر العقلاء مرجّحا وملزما قبيح ، لا أنّه يمكن ترجيح أحد المتساويين على الآخر وإيجاده ووجوده من غير مرجّح ومخصّص لإحدى كفّتي ميزان وجوده
__________________
(١) « ل » : في وجود ذاتها.
(٢) « ل » : أمثال.
(٣) « ل » : ـ وإيجاده.