فعلى الأوّل لا وجه لاعتبار الظنّ إلاّ حيثية رجحانه على غيره ، وهذه جهة تعليلية إن صحّت ففي الكلّ ، وإن بطلت ففيه ، وعلى التنزّل ، فلا فرق بين القياس والشهرة إلاّ بأن يقال : إنّ الأوّل منهما قطعي الخروج ، فيحكم به بخلاف الثاني ، فإنّه بواسطة العمومات الناهية عن العمل بالظنّ ، ولا عبرة بالعامّ في قبال ما دلّ على اعتبار الظنّ ، وهو إخراج وخروج عن طريقه علمائنا الأعلام ، ومشايخنا الكرام.
وعلى الثاني ، فتارة نقول بجريان الدليل في كلّ المسائل الخاصّة كما هو مذاق المحقّق القمّي ، أو في المجموع كما هو مشرب التحقيق.
فعلى الأوّل لو قلنا بعدم حجّية أصالة البراءة فيما لم تفد ظنّا ، ولا دليل على وجوب الاحتياط شرعا ، ولا وجه للتخصيص إذ لا تعليق في حكم العقل بحجّية الظنّ في المقام ، ولو قلنا بأنّ العمل بالبراءة إنّما هو من جهة التعبّد بها شرعا ، فمرجعه إلى عدم ثبوت التكليف عند عدم العلم به ، وذلك في مورد القياس والشهرة سواء إلاّ بالاقتراح المذكور.
وعلى الثاني فإن قلنا بالإهمال في النتيجة ، فلا إشكال كما عرفت ، وإن قلنا بعدمه ، فلا وجه للخروج ، فإنّ رفع اليد من الاحتياط الكلّي في سلسلة الموهومات والاستناد إلى الظنّ ليس إلاّ لوصف (١) الظنّ الموجود في مورد القياس والشهرة ، وتجويز إخراج أحدهما يوجب خروج الآخر ، ولا تعليق في الحكم.
قلت : ولعلّ المجيب يستند في الفرق بين القياس وغيره من أسباب الظنّ إلى عدم ورود دليل على المنع في غيره أصلا ، ووروده فيه ، لا إلى العموم والخصوص حتّى يورد عليه بالاقتراح ، فإنّ العمومات الناهية عن العمل بالظنّ بناء على حجّية الظنّ ولو في الجملة ليس باقيا على ما هو الظاهر منها إمّا بتخصيصها بالأصول ، أو بإجمالها في المقام ، أو لعدم انصرافها إليه ، فالعمدة في المقام هو الرجوع إلى الوجدان ، وعدم
__________________
(١) « ل » : بوصف.