وعلى الأوّل إمّا أن يقطع بتكليفه بخلاف ما قطعه أوّلا مع بقاء قطعه ، أو يقطع بخلافه مع زوال قطعه ، والرابع هو الأوّل ، والثالث هو الثاني كما هو ظاهر ، والثاني هو الرابع ؛ فإنّ ما دلّ على وجوب الصوم في شهر رمضان بعمومه يشمل القطّاع ولا مخصّص كما في المسافر والمريض ، والأوّل هو الثالث ، إذ شرط التكليف لو لم يكن هو العلم به ، فلا أقلّ من الاحتمال ، والمفروض أنّ بعد العلم لا يتصوّر الاحتمال بخلافه ، فكيف بالعلم بخلافه ، وظهوره ممّا يأبى عن إطالة الكلام ؛ فإنّ عدم الجواز والجواز فرع احتمالهما.
وإن أرادوا وجوب تنبيهه على خلاف قطعه ، ففيه : أوّلا عدم جريانه فيما لو علم بمطابقة قطعه للواقع أو شكّ فيها ؛ إذ لا دليل على وجوبه مضافا إلى وجوده على عدم جوازه فيما لو علم بمطابقته.
وثانيا إن أريد من وجوب التنبيه وجوبه فيما لو علمنا باشتباهه في الحكم الشرعي ـ كأن يقطع بوجوب شيء محرّم أو عكس ذلك ـ فلا ينحصر ذلك في القطّاع ؛ لعموم ما دلّ على وجوب الإرشاد ، فيجري في غير القطّاع أيضا كآية النفر وأمثالها.
وإن أريد وجوب تنبيهه فيما إذا اشتبه في موضوع من موضوعات الأحكام الشرعية كأن اعتقد الخمر خلاّ ، أو مال الغير مالا له ، فإن قلنا بوجوب الأمر بالمعروف فيه ، فلا اختصاص له فيه ، فيجري في غيره أيضا ، وإلاّ فلا يجب مطلقا.
والحقّ فيه أن يقال : إن كان الإقدام في الموضوع المشتبه يوجب فسادا في العرض كما إذا اعتقد الأجنبية زوجته ، فالإقدام في وطئها يوجب فسادا في العرض ، أو في النفس كأن اعتقد غير القاتل قاتلا ، أو فسادا في العقل كأن اعتقد الخمر خلاّ ، يجب على قاطبة الناس إرشاده وردعه إلى خلاف معتقده ؛ أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر ، ففي الأمثلة المذكورة يجب ردعه بخلاف ما إذا حسب مال غيره ملكا لنفسه ، أو اعتقد النجس طاهرا فاستعمله أو نسي صلاته إلى غير ذلك من الأمثلة ، فلا يجب ردعه.