العقل في حكمه ، فإنّ حكمه إنّما هو فيما لو أحرز وجود المقتضي ورفع المانع أيضا ، فمع احتمال وجود المانع لا يلتزم بوجود المقتضى ولو كان عالما بوجود المقتضي ، وأصالة عدم المانع إنّما تجدي (١) في الأحكام الظاهرية لا الأحكام الواقعية العقلية.
لا يقال : قد يكون للشيء حكم في نفسه وباعتبار لحوق عنوان آخر به وطريانه عليه حكم آخر ، فما لم يعلم بطريان الآخر ، وحدوث العنوان اللاحق يلتزم العقل بالأوّل ، ويحكم بترتيب آثار الأوّل ، ومجرّد احتمال الآخر لا يضرّ في حكمه كما يشاهد ذلك في حكم العقل ـ مثلا ـ بقبح الكذب في حدّ ذاته ، والظلم أيضا كذلك ما لم يلحق بالأوّل إنجاء نبيّ ، وبالثاني تأديب يتيم ، فلو علمنا بلحوق العنوان اللاحق ، فلا كلام ، ولو لم نعلم به ، يحكم العقل بالقبح فيهما قطعا من غير تردّد وتزلزل ، ففيما نحن بصدده أيضا كذلك ، فإنّ للعقل بعد انسداد باب العلم حكما بوجوب العمل بالظنّ فيما لم نعلم (٢) بلحوق عنوان آخر به ، بخلاف ما إذا علمنا بلحوق العنوان ، فإنّه لا حكم للعقل فيه.
لأنّا نقول : حفظت شيئا وغابت عنك أشياء ، لوضوح الفرق بين المقيس والمقيس عليه ؛ حيث إنّ الحكم في مسألة التأديب والإنجاء إنّما هو على القصد فيهما ، فما لم يعلم بوجود العنوان المسوّغ ولحوقه ، يحكم العقل بحرمته ؛ لعدم تحقّق القصد ، وما يرى من التحسين فيما إذا ترتّب على الفعل العنوان اللاحق من غير قصد ، فهو إنّما يتعلّق بنفس الفعل ، ولا مدخل للفاعل فيه بناء على ما هو الظاهر من اختلاف حكمي الفعل والفاعل بخلاف مثل الظنّ ، فإنّ وجود المفسدة في الواقع من غير تعلّق بشيء آخر يعارض المصلحة التي لأجلها حكم العقل باعتباره ، فمتى احتمل وجود المفسدة لا بدّ من إحراز عدمها في الحكم.
والحاصل : أنّ جهل الكاذب والظالم بعنوان الإنجاء والتأديب يوجب عدم القصد بهما ، ومع عدم القصد لا يتّصف الفعل من حيث استناده إلى الفاعل وإن اتّصف به مع
__________________
(١) في النسختين : لا يجدي.
(٢) « ل » : لم يعلم.