عهدة التكليف ولو ظنّا على ما قد عرفت ، والفراغ الظنّي كما يحصل بإتيان الواقع ظنّا ، فكذا يحصل بإتيان ما هو بدل عن الواقع كذلك ، وهذا (١) هو القدر المتّفق عليه بين جميع أرباب الإدراك وإن كان قد يزيد ذلك الحكم بحسب ازدياد العقل واشتداد القوّة العاقلة في الأشخاص ، فربّما يحكم الكامل في العقل بالامتثال لوجه الأمر كما لا يخفى ، والظنّ في المسائل الأصولية إنّما يوجب الظنّ بالفراغ في المرتبة الثانية ، ولا دليل على وجوب أزيد من ذلك هذا.
وقد يستدلّ على المطلوب بأنّ الأصول مقدّمة للفقه ، وبعد حجّية الظنّ في ذيها يحكم العقل بحجّيته في المقدّمة بطريق أولى.
وضعفه ظاهر ؛ فإنّ الاهتمام في المقدّمة أولى ، وبعد التسليم فلا يخفى أنّها أولوية ظنّية والاستدلال بها يفضي إلى الدور ، على أنّه منقوض بالكلام فإنّه من مقدّمات الاجتهاد ، ولا عبرة بالظنّ فيه.
حجّة المشهور وجهان :
الأوّل : أصالة حرمة العمل بالظنّ بل بمطلق ما وراء العلم ، ولا مخرج عنها إلاّ قاعدة الانسداد ، أو الاستلزام بعد ما عرفت من أول الأدلّة العقلية إلى قاعدة الانسداد ، وكلّ منهما لا ينهض وجها للاعتبار.
أمّا الأوّل ، فلأنّ الانسداد فيها ممنوع ؛ لأنّ مسائل الأصول لا تخلو عن ثلاثة أقسام ، فإنّ برهة منها متعلّقة بالألفاظ الموضوعات المستنبطة منها الأحكام التي يعبّر عنها بمشتركات الكتاب والسنّة كمباحث الأوامر والنواهي والعموم والخصوص والإطلاق والتقييد ونحوها ، ولا ريب في حجّية الظنّ فيها كما عرفت ، وجملة منها بالحجّة ، فتارة من حيث الكشف عن الواقع ، وأخرى من التعبّد به شرعا كالاستصحاب وأصالة البراءة ونحوهما.
__________________
(١) « ل » : ـ هذا.