انعقادها ، وشهرة أخرى معارضة بالقياس ، خالية عن الظنّ في موردها ـ بناء على ما تخيّله ـ لا بدّ وأن يكونا في نظر العقل متساويين بدعوى أنّ العقل يحكم بحجّية الظنون الشخصية وإلقاء الظنون النوعية فيما لم يكن زوال ظنّها بواسطة معارضة القياس ، وأنّى له بإثبات هذا المطلب؟ فدونه خرط القتاد.
وبالجملة ، فقد يتخيّل عدم توهين القياس للظنون المطلقة نظرا إلى أنّ العقل بعد علمه بحال القياس ـ من أنّه لا شيء أبعد في دين الله من عقول الرجال ـ لا يبالي بمخالفة القياس ولو كان الظنّ فيه ، ويعمل بالظنّ النوعي زاعما تساويه مع الظنون الشخصية وهو بمحلّ من البعد.
وكيف كان ، فأقرب الوجوه هو التفصيل بين الظنون المطلقة والظنون الخاصّة ، فيقال بالتوهين في الأوّل ؛ لعدم (١) تعقّل عدمه فيها كما عرفت ، وبعدمه في الثاني لما عرفت أيضا من أنّ أخذ الظنّ في موضوع الدليل إنّما هو من باب التأييد وعدم كشف خلافه.
مضافا إلى رواية أبان بن تغلب (٢) ، فإنّ الملاحظ في سياقها يرى تعرّض الإمام فيها من حيث إنّ الراوي ترك الرواية في قبال القياس وإن كان قد يحتمل أن يكون بواسطة معارضة الراوي له كما يستفاد من قوله عليهالسلام : « إنّك قد أخذتني بالقياس » وقد يحتمل أيضا أن يكون بواسطة ترك التسليم الوارد في وجوبه أخبار كثيرة حتّى أنّ جملة منها دلّت على كفر الرادّ صريحا ، فإنّه لمّا قال : ونحن كنّا بالعراق ونقول إنّ من جاء به الشيطان ، تعرّض الإمام من عدم تسليمه للرواية ، لكنّه لا يبعد دعوى ظهور مساقها في الأوّل على أنّ السيرة المستمرّة من العلماء الأعلام في كلّ الأمصار ، في جميع الأعصار ، على العمل بإخبار الواحد المعارض بالقياس ، ولم يذكر أحد منهم اشتراط العمل به بالفحص عن الموهن القياسي كما اشترطوا بالفحص عن غيره والفحص عن
__________________
(١) « ل » : بعدم.
(٢) تقدّم في ص ٢٥.