كان الدليل هو الخبر المقدّم على مثله بواسطة القياس ، فلا يصدق العمل به ، فإنّ العمل والاستعمال يعمّ ما إذا كان الحكم مستندا إليه ، أو كان له دخل فيه ؛ إذ العمل هو مطلق الاستناد ، على أنّ الحكم في الواقعة إنّما هو مستند إليه ؛ لما تقرّر في العادة من استناد الحكم إلى الأخير من أجزاء علّته ، وظاهر أنّ وجوب صلاة الجمعة المدلول عليه بخبر معارض بمثله إنّما يستند إلى الخبر بعد ترجيحه على الآخر بالقياس سواء كان القياس شرطا ، أو شطرا.
مضافا إلى أنّ الحكم في المسألة الأصولية ـ وهو تقديم أحد الخبرين المتعارضين على الآخر ـ إنّما هو مستند إلى القياس مستقلاّ من غير مدخليّة شيء آخر فيه.
وبالجملة ، فالقول (١) بأنّ الترجيح بالقياس يخالف العمل به منشؤه قلّة التدبّر ، وسوء الفهم ، والأخبار عن السادة الأطهار حجّة عليه ، ولو لا إلاّ انعقاد إجماعنا على ترك الترجيح به في العمل ، لكفى ؛ فإنّ سيرتهم المستمرّة الكاشفة القطعية على ترك التعويل عليه والركون إليه مطلقا حتّى في مقام الترجيح ، ويكشف عن ذلك عدم تعرّضهم في كتبهم الأصولية لأقسام القياس وأحكامه وطرقه ، ولو كان القياس ممّا يؤثّر في الترجيح عندهم ، كان عليهم ـ كما على الفرقة الهالكة ـ بيان ما يتعلّق به على حذو سائر المسائل ، ولقد شاع ذلك بينهم إلى حدّ لا ينكر.
نعم ، أورد المحقّق في المعارج ما يدلّ بظاهره على وقوع الخلاف فيه حيث قال : وذهب ذاهب إلى جواز الترجيح به نظرا إلى أنّ القياس إنّما كان منشأ لطرح الآخر لا موجبا للعمل بما يوافقه (٢).
وفساد القول بهذا ممّا لا يكاد يخفى ؛ فإنّه إن أراد أنّ بعد موافقة القياس لأحد الخبرين وحصول الظنّ في طرفه ، فيطرح المعارض الآخر لابتنائه على الظنّ موضوعا ،
__________________
(١) انظر الفصول : ٤٤٥.
(٢) معارج الأصول : ٢٦١ ـ ٢٦٢ نقلا حاصل كلامه ، ثمّ قال المحقّق : وفي ذلك نظر. وسيأتي كلامه بتمامه في ج ٤ ، ص ٦٣٦ ـ ٦٣٧.