فعلى الأوّل فهو مجرى البراءة ، ومع دوران الأمر بين المحذورين فهو مجرى التخيير.
وعلى الثاني ، فمع عدم دوران الأمر بين المحذورين وإمكان الجمع فهو مجرى الاشتغال ومع عدم إمكانه ودوران الأمر بين المتنافيين والمحذورين فهو أيضا مجرى التخيير.
والقوم إنّما جرت عادتهم في مدّ (١) الأصول الثلاثة الأخيرة في هذا المقام وانفراد الاستصحاب بالبحث نظرا إلى أنّ الحكم فيه ليس منوطا بنفس الشكّ بل لا بدّ فيه من ملاحظة ثبوت المشكوك في الحالة السابقة بخلاف غيره ، فإنّ الحكم فيها يناط بمجرّد الشكّ ، ولذلك قد اكتفوا بإيرادها في بحث واحد بحسب مواردها ، فلا بدّ من تشخيص مواردها وتميز مجاريها ؛ فإنّ عليها يدور رحى الفقه كلّه ، وبيان الاختلاف الواقع في تلك الموارد والتحقيق فيها فنقول :
الشكّ إمّا أن يكون في خصوص التكليف كما لو شكّ في وجوب شيء و (٢) حرمته مع قطع النظر عن الترديد بينه وبين غيره ، أو مع ملاحظة الترديد كما لو شكّ في وجوب شيء أو حرمته ؛ فإنّ مجرّد الترديد بين الحرمة والوجوب لا يجدي في عدم كون الشكّ هذا من أقسام الشكّ في التكليف بعد تقييده بالخصوصية.
وإمّا أن يكون في المكلّف به.
وعلى التقديرين إمّا أن يكون منشأ الشكّ هو الاشتباه في الحكم الشرعي كأن لا يعلم أنّ شرب التتن في القسم (٣) الأوّل حرام في أصل الشريعة ، أو قراءة الدعاء عند رؤية الهلال واجبة أو لا ، أو لا يعلم أنّ الصلاة في يوم الجمعة بحسب أصل الشرع الواجب منها هو الظهر أو الجمعة ، أو الحرام في الشرع هو الشيء الفلاني أو غيره (٤) في القسم الثاني ، وإمّا أن يكون منشأ الاشتباه والشكّ هو الاشتباه في الأمور الخارجية
__________________
(١) المدّ هو البسط.
(٢) « م » : أو.
(٣) « ج » : تقسيم.
(٤) « ج » : « لا » بدل : « غيره ».