لا واسطة بين الفعل والترك ، فالمكلّف دائما إمّا أن يفعل الفعل أو يتركه (١).
اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ العلم الإجمالي بالتكليف منجّز له ولهذا تراهم يقولون بتكليف الكفّار بالفروع فأدلّة الإطاعة والانقياد بالنسبة إلى أوامره تعالى ناهضة محكّمة ، ومن هنا قلنا (٢) فيما سبق بأنّ الموافقة القطعية لو لم تكن (٣) ممكنة ، فلا بدّ من الموافقة الظنّية وهكذا متدرّجا إلى أن يصل إلى الموافقة الاحتمالية بعد ثبوت العلم الإجمالي بالتكليف.
وممّا يؤيّد ذلك أنّ الأصحاب ـ على ما يظهر من كلام صاحب المعالم (٤) ـ مطبقون على عدم جواز طرح القولين بين الطائفة والرجوع إلى ثالث خارج منهما للقطع ببطلان الثالث فإنّه لا فرق في المقام وهناك إلاّ فيما لا يؤثّر فيما نحن بصدده.
على أنّه يمكن أن يقال بأنّ أخبار التخيير الواردة في تعارض الخبرين ربّما تدلّ على التخيير في المقام أيضا ولو بفحوى الخطاب بدعوى أنّ الحكم بالتخيير فيما إذا ورد خبران ليس إلاّ باعتبار اشتمالهما على الحكمين وهو موجود في المقام بل ربّما يستفاد من طريقة العقلاء التزامهم في أمثال المقام بشيء من الحكمين فإنّه يعدّ من المخالفة في نظرهم ، على أنّ المبالاة بالأوامر الشرعية والاعتناء بها واجبة قطعا ، وفي ترك الحكمين تخييرا أو تعيينا وعدم الالتزام بشيء منهما والحكم بأنّه لا حرج في الفعل والترك مع العلم بوجوبه أو حرمته من عدم المبالاة وترك الاعتناء ما لا يخفى على المتدبّر.
ولكنّ الكلّ بعد قاصر عن إفادة المطلوب ، أمّا حديث العلم الإجمالي وتنجّز التكليف به ولزوم الانقياد بأوامره تعالى ، فهو على إطلاقه لا ينهض بإثبات المطلوب
__________________
(١) « ج » : + هذا.
(٢) « ج » : ـ قلنا.
(٣) في النسخ : لم يكن.
(٤) انظر معالم الدين : ١٧٧ ـ ١٧٨ في بحث الإجماع المركّب.