الشارع بسقوط البعض مع تنجّز التكليف المستفاد من دليل الواقع هو الاكتفاء عن الواقع (١) بالباقي لئلاّ يلزم التناقض بين حكم العقل بوجوب الامتثال للأمر المنجّز (٢) في حقّنا كقوله : ( حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ )(٣) وحكم الشرع بسقوط البعض ، واحتمال عدم التنجّز للجهل بالتكليف واه جدّا كما عرفت ، هذا تمام الكلام في الشبهة الوجوبية الموضوعية فيما كان الشكّ في المكلّف به لو كان أطراف الشبهة متباينة.
وأمّا الكلام فيها ما لو كانت أطرافها الأقلّ والأكثر فإن كان الطرفان استقلاليين ـ كما لو علمنا بفوات عدّة من الصلوات وشككنا في أنّ الفائت منها هو الأقلّ أو الأكثر ـ فقضيّة عموم أخبار الباب هو التعويل على البراءة لأنّ الأقلّ متيقّن تفصيلا ، وما زاد عليه مشكوك كذلك ، فرجع (٤) الشكّ إلى نفس التكليف كما في جميع موارد البراءة إلاّ أنّ المعهود من أصحابنا الفقهاء هو الحكم بوجوب إتيان ما به يحصل العلم بفراغ الذمّة في خصوص المسألة ، ولذلك ناقشهم صاحب المدارك (٥) بأنّ القاعدة تقضي بخلافه.
ثمّ إنّه لا فرق في ذلك بين أن يكون الأكثر أو الأقلّ من طرفي الشبهة ممّا يمكن احصاؤه عرفا وعادة ، وبين ما لا يمكن ، وحكمهم بوجوب تحصيل العلم بالفراغ إنّما هو في الثاني دون الأوّل ، ولعلّه مستفاد من فحوى الأخبار الدالّة على ذلك في النوافل بعد اعتضادها بفتوى المشهور وإن كانا ارتباطيين كما إذا نذر صوم بين هلالي رجب وشعبان وشكّ في يوم أنّه هل من الرجب أو لا ، فقضيّة الاشتغال تحصيل البراءة التي لا يعلم إلاّ بالاحتياط ، وذلك وإن قطع النظر عن الأصول الموضوعية التي يجري في
__________________
(١) « ج » : بالواقع.
(٢) « ج ، م » : المتنجّز.
(٣) البقرة : ١٤٤ و ١٥٠. وفي النسخ : « أينما كنتم فولّوا وجوهكم شطر المسجد الحرام » ، وفي التنزيل العزيز أيضا في سورة البقرة ١٤٩ و ١٥٠ : ( وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ.)
(٤) « س » : فيرجع.
(٥) مدارك الأحكام ٤ : ٣٠٦.