ترتيب آثارها عليها ، فكذا الجزئية ليست إلاّ ما يعتبرها العقل بعد اعتبار الشارع شيئا في أمر ، أو بعد الأمر بإتيان أمر مركّب ، ويظهر ذلك عند الرجوع إلى حالات الموالي في طلبهم الأمور المركّبة كالمعاجين ونحوها ، فإنّ المنشأ للمولى ليس إلاّ طلب تلك الماهيّة المركّبة ، وأمّا كونها مركّبة ، أو كون الأمر الفلاني جزءا ، فليس إلاّ من اعتبارات العقل واختراعاته كما لا يخفى على الفطن ، وكيف ما كان إنّ الجزئية ليست من الأمور الجعلية الموضوعية (١) وما لا وضع لها لا رفع فيها ، فلا يصحّ أن يقال : إنّ قوله : « ما حجب الله علمه عن العباد » (٢) أو « رفع عن أمّتي تسعة » (٣) أو قوله : « الناس في سعة ما لا يعلمون » (٤) إنّما بعمومها شاملة للجزء المشكوك.
وإن أراد نفي الحكم التكليفي بجريان البراءة في وجوب الجزء ، فهو أيضا ممّا لا شكّ في فساده ؛ إذ لا معنى لنفي وجوب الجزء (٥) إلاّ نفي وجوب الكلّ ، فإنّ ترك الجزء عين ترك الكلّ ، فإنّه عبارة عن مجموع الأجزاء ، فترك البعض عين ترك المجموع ، وهذا ظاهر سيّما بعد ملاحظة ما قرّر في محلّه من أنّ وجوب المقدّمة لا يغاير وجوب ذيها حيث إنّها ليست مطلوبة في نفسها وفي حدّ ذاتها ، وإنّما مطلوبيّتها للغير وللإيصال إليه ولما أنّ من المقرّر في مقامه أنّ لحوق حكم بشيء باعتبار إنّما هو لحوقه بذلك الاعتبار ، فالإيصال هو المطلوب ، والمطلوب منه هو الوصول إلى ذيها ، والمطلوب منه هو نفس الواجب ، فالوجوب الواحد منسوب إلى ذيها ، وبهذا الاعتبار نفسي ، وقد ينسب إلى مقدّمته ، وبهذا الاعتبار تبعي كالدلالة الواحدة القائمة باللفظ عند انتسابها إلى تمام المعنى الموضوع له وإلى جزئه ، أو لازمه كما لا يخفى ، ومن هنا يعلم وجه عدم الفرق بين قلّة المقدّمات وكثرتها في إنشاء الأوامر العرفية.
وبالجملة ، فلا معنى لوجوب الجزء إلاّ وجوب الكلّ ، ويلزمه (٦) نفي وجوب الكلّ
__________________
(١) « س » : الموضوعة.
(٢) تقدّم في ص ٣٥٣.
(٣) تقدّم في ص ٣٥٥.
(٤) تقدّم في ص ١٥٨ و ٣٥٥.
(٥) « س » : الحرمة!
(٦) « ج » : يلزم.