وتوضيح ذلك أنّ الوجه المذكور في الانتصار إنّما ينهض دفعا للاحتياط المستلزم للتكرار في العبادة ، وقد عرفت نقل الإجماع على عدم جواز الاحتياط فيه حيث يتمكّن من تحصيل العلم ، أو ما يجري مجراه ضرورة جوازه عند عدم التمكّن كما وقع نظير ذلك في الموضوعات عند اشتباه القبلة ومخالفته لسيرة (١) العلماء وهو الحجّة وإلاّ فعلى ما هو التحقيق من القول بالبراءة لا فرق بين أن يكون (٢) الإطاعة من قيود المأمور به أو من دواعي الأمر لعموم أدلّتها.
ومنه يظهر الوجه فيما أفاده صاحب المدارك بعد ما حكى عن العلاّمة (٣) عدم جواز الصلاة في الثياب المشتبهة مع التمكّن منها في ثوب طاهر : وإنّ هذا وإن كان حسنا إلاّ أنّ وجهه لا يبلغ حدّ الوجوب (٤) ، وأمّا فيما لم يستلزم التكرار ، فالامتثال التفصيلي حاصل بمعنى العلم بالمطلوب وتميّزه عن غيره ، فلا اشتباه في المطلوب إلاّ أنّ وجه الطلب وخصوصيته غير معلوم ، فلا مانع من الاحتياط سوى القول بوجوب نيّة الوجه ، ونحن قد فرغنا عن إبطال هذه الشبهة في محلّه وقلنا باستقرار طريقة العقلاء في الحكم بامتثال من لم يراع في فعله وجه الفعل كما لا يخفى ، وهذا هو الحاسم لهذه الشبهة ، فلا وجه للقول بلزوم الفحص في العبادات الغير المتكرّرة عند إعمال الاحتياط ، ولا مأخذ للقول (٥) بأنّ الناس صنفان : مجتهد ومقلّد.
وأمّا ما يظهر من السيّد الرضي دعوى الإجماع على فساد عبادة الجاهل ، وتقرير أخيه المرتضى علم الهدى له (٦) ، فلا يجدي شيئا (٧) فإنّه محمول على عبادة من لم يعرف
__________________
(١) « س » : مخالفة سيرة.
(٢) « ج » : ـ أن يكون.
(٣) حكى صاحب المدارك عن منتهى المطلب ٣ : ٣٠١ وفي ط الحجري ١ : ١٨٢ وكذا قاله في نهاية الأحكام ١ : ٢٨٢.
(٤) مدارك الأحكام ٢ : ٣٥٨ ، انظر بحث القطع ص ٣٣.
(٥) تقدّم ذكر القائلين به في ص ٥٧٧.
(٦) تقدّم ذكر مصادره ص ٣٤.
(٧) « س ، م » : ـ شيئا.