واجتماع الأمر والنهي ، والأصل فيها ـ على ما هو المصرّح به في كلام بعض الأعيان ـ هو الغلبة ، وليس على ما ينبغي ، لوضوح أنّ المناط فيها ليس على الموجودات فقط ، وأمّا المعدومات ، فمع ملاحظتها غلبة الممكن على الممتنع ممنوعة ، كيف ولم نعلم وجه العدم فيها ، ولعلّه لا امتناع فيها.
فالتحقيق فيها أنّ قضيّة جبلّة كلّ عاقل فيما لم يدلّ على ضرورة وجود شيء ، أو ضرورة عدمه دليل يحكم (١) بالإمكان فيه ، فيعامل معه (٢) معاملة الممكن كما لو شكّ في وجود شيء يعامل معاملة المعدوم ، فكما أنّ بناء العقلاء على الحكم بالعدم عند الشكّ فيه ، فكذلك عند الشكّ في ضرورة العدم ، فيحكمون بعدمها أيضا ، ففي الحقيقة هذه شعبة من أصالة العدم ، وكأنّه إلى هذا ينظر ما هو المنقول عن عبارة الشيخ الرئيس (٣) من أنّه كلّ ما قرع سمعك ولم يدلّ دليل على وجوبه وامتناعه ، فذره في بقعة الإمكان إلاّ أنّه مع ذلك غير مفيد ؛ فإنّ الإمكان إن قيس إلى الواقع ، فالأصل لا يقضي (٤) به ، وإن قيس إلى الظاهر ، فلا جدوى فيه إلاّ إثبات آثار الواقع له ، وليس الإمكان والامتناع موضوعين لحكم شرعي حتّى يترتّب عليهما مثلا (٥).
لا يقال : قد يثمر أصالة الإمكان فيما إذا دلّ الدليل على الإمكان فيقبل على الإمكان ، ولا يقبل على الامتناع.
لأنّا نقول : إن كان الدليل علميا ، فلا مجال لعدم القبول على التقديرين ، وإلاّ فلا مجال للقبول كذلك. نعم ، يثمر في مقام الاحتجاج ، فلمدّعي الامتناع إقامة الدليل عليه.
واحتجّ القائل بالامتناع بوجوه : أقواها لزوم تحليل الحرام وتحريم الحلال ، وبطلان
__________________
(١) « ل » : الحكم.
(٢) « ل » : فيه.
(٣) انظر الإشارات والتنبيهات ٣ : ٤١٨ ، نمط ١٠ في أسرار الآيات.
(٤) « ل » : لا يقتضي.
(٥) « ل » : « الآثار » بدل : « مثلا ».