وأمّا اليد والاستصحاب وسائر الأمارات الشرعية ممّا لا يتوقّف اعتبارها على الانسداد بل يعمّ الحالتين ، فلعلّه يلتزم بأنّ نصب الطريق لا من حيث هو طريق بل بواسطة حصول مصلحة متداركة فيه بها يصير موضوعا مستقلاّ ممّا لا ضير فيه إلاّ أنّ الإشكال في لزوم التصويب على تقديره ، فإنّ الخمر مثلا من حيث إنّ العادل أخبر بحلّيته مشتملة على مصلحة تزيد على المفسدة الكامنة على تقدير عدم إخبار العدل بكونه حلالا ، فالخمر من حيث نفسه لا حكم له في الواقع ؛ فإنّ حكمه يناط بالإخبار وعدمه ، ولا نعني بالتصويب إلاّ هذا.
ويمكن الجواب عن ذلك بأنّ التصويب الباطل المجمع على فساده هو أن يكون أحد الحكمين في الواقعة في عرض الآخر ، ولا يكون مرتّبا عليه ، وأمّا لو جعل الشارع المقدّس لأصل الواقعة من حيث هي حكما من دون ملاحظة الظنّ وجودا وعدما فيها ولها من حيث تعلّق الظنّ بها حكما آخر على أن يكون حكما ثانويا ، فلا يلزم التصويب.
وتفصيل الكلام أنّ التصويب في ألسنة أهله يستعمل في معنيين :
الأوّل : أن يكون حكم الواقعة موكولا إلى ظنّ المجتهد ، فما ظنّه المجتهد حراما (١) بظنّه يصير حراما ، ولا يكون هناك حكم مجعول في الواقع ، ولذلك قد أورد عليهم العلاّمة في النهاية بأنّ الظنّ كالعلم لا بدّ وأن يتعلّق بموضوع مقدّم عليه طبعا ، فما لم يكن هناك حكم مجعول في الواقع لا يصحّ الحوالة إلى الظنّ.
وأمّا ما أجاب عنه العضدي (٢) بأنّ متعلّق الظنّ هو الحكم الشأني بمعنى أنّه هناك شيء لو حكم الشارع به ، لحكم به ، فالمظنون (٣) هو الأليق بالقواعد ، والأشبه بالأصول ، فعلى إطلاقه غير مستقيم ؛ لاختصاصه بمقالة من يقول بالحكم الشأني من
__________________
(١) « ل » : حرام.
(٢) شرح مختصر منتهى الأصول : ٤٧٠.
(٣) « ل » : في المظنون.