الظاهر من مقالة القائل بالإباحة كما هو ظاهر ، وعدم مساعدة أصل من الأصول المقرّرة عليه على تقديره ؛ فإنّ الأصل عدم الوجوب مطلقا سواء كان عينيا أو تخييريا.
ومن هنا يظهر وجاهة ما أفاده المحقّق القمّي في ردّ من زعم باستحباب الحذر في آية النفر حيث قال : وحاصل الكلام أنّ القول باستحباب العمل بخبر الواحد المفيد للوجوب مع بقاء الوجوب على معناه الحقيقي ممّا لا يتصوّر له معنى محصّل ؛ فإنّ استحباب الواجب لا يتصوّر إلاّ في أفضل فردي الواجب التخييري (١). انتهى.
وهو جيّد جدّا وإن أورد عليه بعض الأجلّة (٢) بوجوه لا طائل تحتها.
ومنها : ما ذكره بعض الأواخر من أنّه لا أصل في البين ؛ لدوران الأمر بين الحرمة والوجوب ، إمّا لأنّ معنى الجواز في المقام هو الوجوب تجوّزا ، أو لأنّ الجواز يستلزم الوجوب للإجماع المركّب على ما هو المدّعى في كلام بعض الأعيان.
وفساده ممّا لا يخفى على أحد ؛ إذ دوران الأمر بين الحرمة والوجوب إنّما يقضي (٣) بانتفاء الأصل وثبوت التخيير فيما لو كانت الحرمة في عرض الوجوب من غير حصول علقة بينهما ؛ إذ العقل لا يمكن له الالتزام بأحدهما دون الآخر ؛ لامتناع الترجيح بلا داع كما في الجهر بالبسملة في الصلاة الإخفاتية.
وأمّا إذا لم يكن في عرض الوجوب بل كان مسبّبا عن عدم العلم به ، فمن الضروريّ أنّ العقل يلتزم (٤) بالمسبّب عند وجود السبب كما فيما نحن فيه حيث إنّ الحرمة في المقام على ما مرّ حرمة تشريعية ، ويكفي في العلم بها عدم العلم بالوجوب ، والمفروض عدم ثبوته ؛ لأنّ الكلام في الظنون المشكوكة الاعتبار ، فيحكم العقل بالتحريم كما هو واضح.
__________________
(١) القوانين ١ : ٤٣٥.
(٢) الفصول : ٢٧٣.
(٣) « ل » : يقتضي.
(٤) « ل » : مستلزم؟