فالتحقيق أنّ الأمر دائر بين الوجوب وعدمه ، والأصل عدمه ، فيحرم كما عرفت ، وهو الشأن في أمثاله من التوقيفيات.
ومنها : ما استدلّ به (١) بعض الأفاضل (٢) من أنّ أصالة الاشتغال تقضي بعدم كفاية الظنّ.
وبيانه أنّه لا ريب في توقّف تكاليفنا الواقعية في حصول الامتثال بها بإدراكها ، فتارة بالعلم بها ، وأخرى بالظنّ ، والأوّل مسقط قطعا ، والثاني مشكوك ، فمقتضى الاشتغال تحصيل القطع ، فيحرم العمل بالظنّ.
وفيه أوّلا : أنّ وجوب تحصيل الاعتقاد مقدّمي إمّا عقلا أو شرعا ، فليس من
__________________
(١) « ش » : استند إليه.
(٢) لعلّ المراد به شريف العلماء كما في تقريراته للفاضل الأردكاني ( مخطوط ) ٣٤ حيث قال : إنّ مقتضى الأصل الأوّلي عدم كفاية الظنّ ، أي عدم كونه مبرئا للذمّة لأنّه لا شكّ فيه ولا شبهة تعتريه أنّا مكلّفون بعد ورود الشرع بشيء لا محالة ولكن لم ندر أنّ المكلّف به ما ذا؟ يحتمل أن يكون المكلّف به هو تحصيل الاعتقاد المطلق والعمل بمقتضاه ، ويحتمل أن يكون المكلّف به هو تحصيل الأحكام الواقعية ويكون تحصيل الاعتقاد العلمي أو تحصيل الاعتقاد في الجملة ولو ظنّا واجبا من باب المقدّمة ، وإن قلنا بالأوّل أو الثالث فكفاية الظنّ لا يخفى ، وإن قلنا بالثاني فلا بدّ من تحصيل العلم وأنت خبير بأنّ القطع بالبراءة مع كون المكلّف به مجملا ومحتملا بين هذه الاحتمالات لا يحصل إلاّ بعد تحصيل العلم بالحكم الواقعي لأنّ تحصيل العلم يقتضي البراءة على جميع الاحتمالات بخلاف ما لو اكتفى بتحصيل الاعتقاد بالحكم الواقعي ولو ظنّا ؛ لاحتمال أن يكون المكلّف به هو نفس تحصيل العلم بالحكم الواقعي.
ثمّ قال : فإن قلت : سلّمنا أنّ المكلّف به ليس إلاّ تحصيل الحكم الواقعي لكن نمنع أنّ الخروج عن عهدة هذا التكليف مستلزم للقطع بعدم المخالفة بالنسبة إلى الواقع حتّى يجب تحصيل العلم بالأحكام الواقعية بل القدر الواجب على المجتهد أن يحصل أمرا يحصل به عدم القطع بالمخالفة ولا ريب أنّ هذا ممّا يحصل له بعد تحصيل الاعتقاد ولو ظنّا.
قلت : هذا الكلام في غاية الركاكة ؛ لأنّ كلّ أحد أذعن بأنّ القطع بالاشتغال مستلزم للقطع بالامتثال ولا يكفيه الظنّ بالامتثال لا يرضى بذلك الكلام كما لا يخفى.
وكذا قال في ضوابط الأصول : ٢٧٤ ـ ٢٧٥.