تفارق روحه جسده.
فقال الله سبحانه : وعزّتي وعظمتي لا أحجب التّوبة عن عبدي حتّى يغرغر بها.
وفي الكافي (١) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : إذا بلغت النّفس هاهنا ـ وأشار بيده إلى حلقه ـ لم يكن للعالم توبة ، ثمّ قرأ هذه الآية (٢).
وفي تفسير العيّاشيّ (٣) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ مثله ، وزاد : وكانت للجاهل توبة.
ولا يخفى المنافاة بينه وبين الأخبار الأوّلة. وقيل في الجمع (٤) : لعلّ السّبب في عدم قبول التّوبة من العالم في ذلك الوقت ، حصول يأسه من الحياة بأمارات الموت ، بخلاف الجاهل فإنّه لا ييأس إلّا بمعاينة الغيب.
وأقول في الجميع : يمكن أن يكون المراد بذنب العالم الّذي ليس له فيه توبة ، ذنب صدر عنه بإضلال النّاس ، عالما بإضلالهم للأغراض الدّنيويّة ، فلا تقبل توبته ـ حينئذ ـ لأنّ محض النّدم في ذلك لا ينفع ، لأنّ جمعا كثيرا قد عملوا بعلمه وضلّوا ، فلا يجدي ندمه في ذلك الآن ، فلا تقبل توبته. والمؤيّد لهذا الجمع ، أنّه رتّب الحكم في الآية على العمل ، وقال : (لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ) وفي الخبر على صفة العلم ، فيعلم أنّ منشأ العصيان إذا كان العمل ، فهو قابل للتّوبة وقبولها. وإذا كان منشأه العلم ، ليس بهذه المثابة.
قيل (٥) : ومن لطف الله بالعباد ، أن أمر قابض الأرواح بالابتداء في نزعها من أصابع الرّجلين ، ثمّ يصعد شيئا فشيئا إلى أن يصل إلى الصّدر ، ثمّ ينتهي إلى الحلق ، ليتمكّن في هذه المهلة من الإقبال بالقلب على الله ـ تعالى ـ والوصيّة والتّوبة ما لم يعاين ، والاستحلال وذكر الله ـ سبحانه ـ فيخرج روحه وذكر الله على لسانه ، فيرجى بذلك حسن خاتمته. رزقنا الله ذلك ، بمنّه وكرمه.
(فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ) : وعد بالوفاء ، بما وعد به وكتب على نفسه من قبول التّوبة.
__________________
(١) الكافي ١ / ٤٧ ، ح ٣. وفيه ذكر سند الرواية إلى جميل بن درّاج قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : ...
(٢) ذكر في المصدر نفس الآية بدل «هذه الآية».
(٣) تفسير العياشي ١ / ٢٢٨ ، ح ٦٤.
(٤) تفسير الصافي ١ / ٣٩٩.
(٥) نفس المصدر ١ / ٣٩٩ ـ ٤٠٠.