المرافق على أحفل ما يكون من المدن. وصاحبه مظفر الدين بن زين الدين (له ذكر في حوادث سنة ٥٧٨) وطاعته إلى صلاح الدين. وهذه البلاد كلها من الموصل إلى نصيبين إلى الفرات المعروفة بديار ربيعة وحدها من نصيبين إلى الفرات مع ما يلي الجنوب من الطريق وديار بكر التي تليها في الجانب الجوفي كآمد وميافارقين وغيرها مما يطول ذكره ليس في ملوكها من يناهض صلاح الدين ، فهم إلى طاعته وإن كانوا مستبدين ، وفضله يبقى عليهم ولو شاء نزع الملك منهم لفعله بمشيئة الله ، فكان نزولنا ظاهر البلد بشرقيه على نهيره المذكور ، وأقمنا مريحين يوم الاثنين ويوم الثلاثاء منه ، وإثر الظهر منه كان اجتماعنا بسلمة المكشوف الرأس الذي فاتنا لقاؤه يوم الاثنين فلقيناه بمسجده ، فرأينا رجلا عليه سيما الصالحين وسمت المحبين مع طلاقة وبشر وكرم لقاء وبر ، فآنسنا ودعا لنا وودعناه وانصرفنا حامدين لله عزوجل على ما منّ علينا من لقاء أوليائه الصالحين وعباده المقربين.
وفي ليلة الأربعاء التاسع لربيع المذكور كان رحيلنا بعد تهويم ساعة فأسرينا إلى الصباح ونزلنا مريحين بموضع يعرف بتل عبدة وهو موضع عمارة ، وهذا التل مشرف متسع كأنه المائدة المنصوبة ، وفيه أثر بناء قديم ، وبهذا الموضع ماء جار ، وكان رحيلنا منه عند المغرب ، وأسرينا الليل كله واجتزنا على قرية تعرف بالبيضاء فيها خان كبير جديد وهو نصف الطريق من حران إلى الفرات ويقابلها على اليمين من الطريق في استقبالك الفرات إلى الشام مدينة سروج التي شهر ذكرها الحريري بنسبة أبي زيد إليها ، وفيها البساتين والمياه المطردة حسبما وصفها في مقاماته ، فكان وصولنا إلى الفرات ضحوة النهار ، وعبرنا في الزوارق المقلة المعدة للعبور إلى قلعة جديدة على الشط تعرف بقلعة نجم ، وحولها ديار بادية وفيها سويقة يوجد فيها المهم من علف وخبز ، فأقمنا بها يوم الخميس العاشر لربيع الأول المذكور مريحين خلال ما تكمل القافلة بالعبور. وإذا عبرت الفرات حصلت في حد الشام وسرت في طاعة صلاح الدين إلى دمشق والفرات حد بين ديار الشام وديار ربيعة وبكر ، وعن يسار الطريق في استقبالك الفرات إلى الشام مدينة الرقة وهي على الفرات ، وتليها رحبة مالك بن طوق وتعرف برحبة الشام وهي من المدن الشهيرة ، ثم رحلنا منها عند مضي ثلث الليل الأول وأسرينا ووصلنا مدينة منبج مع الصباح من يوم الجمعة الحادي عشر لربيع المذكور والثاني والعشرين ليونيه.