ثم رحل هولاكو إلى حارم وطلب تسليمها فامتنعوا أن يسلموها لغير فخر الدين والي قلعة حلب ، فأحضره هولاكو وسلموها إليه فغضب هولاكو من ذلك وأمر بهم فقتل أهل حارم عن آخرهم وسبى النساء.
قال أبو الفرج الملطي في تاريخه مختصر الدول : إن هولاكو رحل عن حلب وأحاط بقلعة حارم واختار أن يسلموها إليه ويؤمنهم على أنفسهم ، فلم يطمئنوا إلى قوله وإنما طلبوا منه رجلا مسلما يحلف لهم ويكون صاحب شريعة يطمأن إليه حيث يحلف لهم بالطلاق والمصحف أن لا يدنو لأحد منهم سوء وينزلوا ويسلموا إليه القلعة ، فسألهم هولاكو : من تريدون يحلف لكم؟ قالوا : فخر الدين الوالي بقلعة حلب فإنه رجل صادق مؤمن خير ، فتقدم هولاكو إليه فدخل إليهم وحلف لهم على جميع ما يريدون ، فحينئذ فتحوا الأبواب ونزل الناس خلائق كثيرة وتسلم المغول القلعة. ثم إن هولاكو تقدم بقتل فخر الدين الوالي أولا ثم بقتل جميع من كان في القلعة من الصغار والكبار الرجال منهم والنساء حتى الطفل الصغير في المهد اه.
ثم ملك هولاكو بلاد الشام واحدة واحدة وهدم أسوارها وولي عليها. ووصل إلى هولاكو على حلب الملك الأشرف صاحب حمص موسى بن إبراهيم بن شيركوه ، وكان قد انفرد الأشرف المذكور عن المسلمين لما توجه الملك الناصر إلى جهة مصر ووصل إلى هولاكو بحلب فأكرمه وأعاد عليه حمص وكان قد أخذها منه الملك الناصر صاحب حلب في سنة ست وأربعين وستمائة وعوضه عنها تل باشر ، فعادت إليه في هذه السنة واستقر ملكه بها ، وقدم أيضا هولاكو وهو نازل على حلب محيي الدين بن الزكي من دمشق فأقبل عليه هولاكو وخلع عليه وولاه قضاء الشام ، ولما عاد ابن الزكي المذكور إلى دمشق لبس خلعة هولاكو وكانت مذهبة وجمع الفقهاء وغيرهم من أكابر دمشق وقرأ عليهم تقليد هولاكو واستقر في القضاء.
ذكر ما كان من أمر الملك الناصر بعد أخذ حلب
قال أبو الفداء : ولما بلغ الملك الناصر بدمشق أخذ حلب رحل من دمشق بمن بقي معه من العسكر إلى جهة الديار المصرية وفي صحبته الملك المنصور صاحب حماة ، وأقام بنابلس أياما ورحل عنها وترك فيها الأمير مجير الدين بن أبي زكريا والأمير علي بن شجاع ومعهما جماعة من العسكر ، ثم سار إلى غزة فانضم إليه مماليكه الذين كانوا أرادوا قتله ،