فإن كانت الكسرة على عسكر الإسلام كانت البلاد لنا وتكونون قد حقنتم دماء المسلمين ، وإن كانت الكسرة علينا كنتم مخيرين في الشحنتين إن شئتم طردتموهما وإن شئتم قتلتموهما ، فلم يجب الملك المعظم إلى ذلك وقال : ليس لكم عندنا إلا السيف. وكان رسول هولاكو إليهم في ذلك صاحب أرزن الروم ، فتعجب من هذا الجواب وتألم لما علم من هلاك أهل حلب بسبب ذلك. وأحاط التتر بحلب ثاني صفر وهجموا النواثر في غد ذلك اليوم وقتل من المسلمين جماعة كثيرة ، وممن قتل أسد الدين ابن الملك الزاهر ابن صلاح الدين ، واشتدت مضايقة التتر للبلد وهجموه من عند حمام حمدان (حمام بزي) في ذيل قلعة الشريف في يوم الأحد تاسع صفر وبذلوا السيف في المسلمين ، وصعد إلى القلعة خلق عظيم ، ودام القتل والنهب من يوم الأحد المذكور إلى الجمعة رابع عشر صفر المذكور ، فأمر هولاكو برفع السيف ونودي بالأمان ولم يسلم من أهل حلب إلا من التجأ إلى دار شهاب الدين بن عمرون ودار نجم الدين أخي مردكين ودار البازيار ودار علم الدين قيصر الموصلي والخانقاه التي فيها زين الدين الصوفي وكنيسة اليهود ، وذلك لفرمانات كانت في أيديهم.
وقيل إنه سلم بهذه الأماكن ما يزيد على خمسين ألف نفس ، ونازل التتر القلعة وحاصروها وبها الملك المعظم ومن التجأ إليها من العسكر واستمر الحصار عليها.
أما قلعة حلب فوثب جماعة من أهلها في مدة الحصار على صفي الدين بن طرزة رئيس حلب وعلى نجم الدين أحمد بن عبد العزيز بن أحمد بن القاضي نجم الدين ابن أبي عصرون فقتلوهما لأنهم اتهموهما بمواطأة التتر ، واستمر الحصار على القلعة واشتدت مضايقة التتر لها نحو شهر ، ثم سلمت بالأمان في يوم الاثنين الحادي عشر من ربيع الأول. ولما نزل أهلها بالأمان وكان فيها جماعة من البحرية الذين حبسهم الملك الناصر ، فمنهم سكز وبرامق وسنقر الأشقر فسلمهم هولاكو وباقي الترك إلى رجل من التتر يقال له سلطان حق وهو رجل من أكابر القبجاق هرب من التتر لما غلبت على القبجاق وقدم إلى حلب فأحسن إليه الملك الناصر فلم تطب له تلك البلاد فعاد إلى التتر.
وأما العوام والغرباء فنزلوا إلى أماكن الحمى التي قدمنا ذكرها ، وأمر هولاكو أن يمضي كل من سلم إلى داره ملكه وأن لا يعارض ، وجعل النائب بحلب عماد الدين القزويني ، وأمر هولاكو بخرب أسوار قلعة حلب وأسوار المدينة فخربت عن آخرها.