سنة ٦٩٩
ذكر المصاف العظيم الذي كان بين المسلمين والتتر
واستيلاء التتر على دمشق وخروجهم منها وعزل سيف الدين بلبان
عن حلب وتوليتها إلى قراسنقر للمرة الثانية
قال ابن إياس في حوادث هذه السنة : فيها جاءت الأخبار من حلب بأن قازان ملك التتار قد زحف على البلاد ووصل أوائل عسكره إلى الفرات وهو في عسكر ثقيل لا يحصى ، وغازان هذا هو ابن أرغون بن أبغا بن هولاكو الذي أخرب بغداد وقتل الخليفة وجرى منه ما جرى.
وكان سبب مجيء قازان وزحفه على البلاد هو أن قبجق نائب الشام لما بلغه أن الملك المنصور لاجين أرسل بالقبض عليه أخذ أولاده وعياله وبركه وماله وخرج من الشام وتوجه هاربا إلى القان قازان ، وحسن له أن الملك الناصر صغير وأن الأمراء والعسكر بينهم الخلف وأنه إذا زحف القان غازان على البلاد لا يجد من يرده عنها ، فعند ذلك جمع القان غازان عساكر عظيمة نحو مائتي ألف مقاتل ، ولما وصل الخبر إلى الديار المصرية اضطربت الأرض واجتمعت الأمراء بالقلعة وضربوا مشورة فوقع الاتفاق على أن الأتابكي بيبرس الجاشنكير يتوجه إلى حلب ومعه خمسمائة مملوك قبل خروج السلطان ، وخرج الأتابكي بيبرس على جرائد الخيل مع العسكر ، ثم خرج الملك الناصر محمد بعده في خامس عشر صفر ، وكان صحبته الخليفة الإمام أحمد الحاكم بأمر الله والقضاة الأربعة ، وكان قاضي القضاة الشافعي حينئذ شيخ الإسلام تقي الدين بن دقيق العيد ، وخرج مع السلطان وسائر الأمراء والعساكر فجدّ السلطان في المسير حتى وصل إلى دمشق في ثامن ربيع الأول سنة تسع وتسعين وسبعمائة ، ثم خرج من دمشق فتلاقى مع جاليش غازان في مكان يعرف بسلمية قرب بعلبك ، فوقع بينهما واقعة عظيمة لم يسمع بمثلها وقتل من الفريقين ما لا يحصى عددهم ، فانكسر عسكر السلطان وهرب الملك الناصر إلى بعلبك ونهب بركه وسائر برك العسكر ولم يبق معه من العسكر إلا طائفة يسيرة.
ثم إن القان غازان زحف على ضياع الشام ونهب ما فيها وسبى أهلها ، فلما بلغ أهل الشام ذلك خافوا على أنفسهم من غازان فيما فعله في أهل الضياع فتشاوروا مع جماعة