جميعها وفرشت بالرخام في أماكنها كافة وأصبح فيها من الحجر اثنتا عشرة حجرة للطلاب ، وعين في هذه السنة وهي سنة ١٣٤٢ لكل طالب مائتي قرش رائجة. وصار للمدرسة من العقارات اثنان وستون عقارا ، وقد أطلعني المومى إليه على دفترين أحدهما محرر سنة ١٠٧٩ وفيه ذكر العقارات الموقوفة على المدرسة والأحكار التي كانت تأخذها من كثير من الدور والحوانيت والبساتين والأراضي ، وعلى هذا الدفتر إمضاء وختم القاضي نقيب زاده السيد محمد سعيد الحجازي المولى بالمحكمة الشافعية ، ودفتر آخر محرر سنة ١٢١٩ وفيه أيضا ذكر ذلك ، ومعظم هذه الأماكن لا تتناول المدرسة اليوم منها شيئا ، وقد تغلبت الأيدي منذ سنين طويلة عليها ، ولو كانت باقية على حالها لكان للمدرسة من الريع مبالغ طائلة ولله في خلقه شؤون.
المدرسة العصرونية :
قال في الدر المنتخب المنسوب لابن الشحنة : إن هذه المدرسة كانت دارا لأبي الحسن علي بن أبي الثريا وزير بني دمرداش ، فصيرها الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي بعد انتقالها إليه بالوجه الشرعي مدرسة وجعل فيها مساكن للمرتبين بها من الفقهاء ، وذلك في سنة خمسين وخمسمائة ، واستدعى لها من جبل بناحية سنجار الشيخ الإمام شرف الدين أبا سعد عبد الله بن أبي السري محمد بن هبة الله بن المطهر بن علي بن أبي عصرون بن أبي السري التميمي الحديثي ثم الموصلي الشافعي ، وكان من أعيان فقهاء عصره ، ولما وصل إلى حلب ولي تدريسها والنظر فيها ، وهو أول من درس بها فعرفت به ، وصنف كتبا كثيرة في المذهب والخلاف والفرائض مشهورة في أيدي الناس اه.
أقول : إذا كانت المدرسة بنيت سنة ٥٥٠ كما ذكره هنا فيكون قد استدعي من الشام لا من سنجار ، لأنه كما في ترجمته في ابن خلكان قدم إلى حلب سنة ٥٤٥ وتوجه منها إلى الشام في أوائل سنة ٥٤٩ ثم عاد إلى حلب وبقي في هذه البلاد إلى سنة ٥٧٠ فتوجه فيها إلى الشام وتوفي فيها سنة ٥٨٥.
وإذا كان بناؤها سنة ٥٤٥ فيكون قد استدعي من سنجار لأنه في هذه السنة قدم إلى حلب كما نقلناه عن ابن خلكان. ويظهر أن الأصح أن بناءها سنة ٥٤٥ لأن ابن أبي عصرون والقطب النيسابوري استدعيا في آن واحد كما قدمناه في ترجمة نور الدين.