نسخة اليمين أنه إذا غدر منهم واحد وخالف ولم يف بما عليه حالف كان الباقون عليه يدا واحدة وعزيمة متعاقدة حتى يفيء إلى الوفاء والوفاق ويرجع إلى مرافقة الرفاق اه. ثم توجه السلطان صلاح الدين من حلب إلى حصن مصياث وبعد أن أخذ ثأره من سنان الإسماعيلي توجه إلى دمشق ثم إلى مصر. وبسط في الروضتين الكلام في ذلك.
سنة ٥٧٣
ذكر قتل كمشتكين وحصر الفرنج حارم
قال ابن الأثير : في هذه السنة قبض الملك الصالح بن نور الدين على سعد الدين كمشتكين وكان المتولي لأمر دولته الحاكم فيها. وسبب قبضه أنه كان بحلب إنسان من أعيان أهلها يقال له أبو صالح بن العجمي ، وكان مقدما عند نور الدين ، فلما مات نور الدين تقدم أيضا في دولة ولده الملك الصالح وصار بمنزلة الوزير الكبير المتمكن لكثرة أتباعه بحلب ، وصار كل من كان يحسد كمشتكين انضم إلى أبي صالح وقووا جنانه وكثروا سواده ، وكان عنده إقدام وجرأة فصار واحد الدولة بحلب ومن يصدر الجماعة عن رأيه وأمره ، فبينما هو في بعض الأيام في الجامع وثب به الباطنية فقتلوه ومضى شهيدا ، وتمكن بعده سعد الدين وقوي حاله ، فلما قتل أحال الجماعة قتله على سعد الدين وقالوا : هو وضع الباطنية عليه حتى قتلوه ، وذكروا ذلك للملك الصالح ونسبوه إلى العجز وأنه ليس له حكم وأن سعد الدين قد تحكم عليه واحتقره واستصغره وقتل وزيره ، ولم يزالوا به حتى قبض عليه ، وكانت حارم لسعد الدين قد أقطعه إياها الملك الصالح ، فامتنع من بها بعد قبضه وتحصنوا فيها ، فسير سعد الدين إليها تحت الاستظهار ليأمر أصحابه بتسليمها إلى الملك الصالح ، فأمرهم بذلك فامتنعوا فعذب كمشتكين وأصحابه يرونه ولا يرحمونه ، فمات في العذاب ، وأصر أصحابه على الامتناع والعصيان ، فلما رأى الفرنج ذلك ساروا إلى حارم من حماة في جمادى الأولى على ما نذكره ظنا منهم أنهم لا ناصر لهم وأن الملك الصالح صبي قليل العسكر وصلاح الدين بمصر ، فاغتنموا هذه الفرصة ونازلوها وأطالوا المقام عليها مدة أربعة أشهر ونصبوا عليها المنجنيقات والسلالم ، فلم يزالوا كذلك إلى أن بذل لهم الملك الصالح مالا وقال لهم : إن صلاح الدين واصل إلى الشام وربما يسلم القلعة من بها إليه ، فأجابوه حينئذ إلى الرحيل عنها ، فلما رحلوا عنها سير إليها الملك الصالح