أقول : ومن أراد الوقوف على تفاصيل أخباره ومحمود آثاره فعليه بكتاب الروضتين في أخبار الدولتين (النورية والصلاحية) فإنه جمع وأوعى.
آثاره الجليلة في حلب
المدرسة الحلوية :
قال في الدر المنتخب المنسوب لابن الشحنة : المدرسة الحلوية كانت كنيسة من بناء هيلانة أم قسطنطين وجعلها القاضي أبو الحسن بن الخشاب مسجدا بسبب ما اعتمده الفرنج من بعثرة قبور المسلمين وإحراقهم حين حصارهم حلب في سنة ثمان عشرة وخمسمائة ، وكانت تعرف بمسجد السراجين ، فلما ملك نور الدين جعلها مدرسة وجدد بها مساكن يأوي إليها الفقهاء. وكان مبدأ عمارتها في سنة أربع وأربعين [صوابه ثلاث وأربعين كما هو مكتوب على جدار بابها] وهي من أعظم المدارس صيتا وأكثرها طلبة وأغزرها جامكية. قال : ومن شرط الواقف أن يجعل في كل شهر رمضان من وقفها ثلاثة آلاف درهم للمدارس يضع بها طعاما للفقهاء ، وفي ليلة النصف من شعبان في كل سنة حلوى معلومة وفي الشتاء ثمن لباس لكل فقيه شيء معلوم ، وفي أيام شرب الدواء من فصلي الربيع والخريف ثمن ما يحتاج إليه من دواء وفاكهة ، وفي المواليد أيضا الحلوى ، وفي الأعياد ما يرتفقون به فيها دراهم معلومة ، وفي أيام الفاكهة ما يشترون به من أنواعها بطيخا ومشمشا وتوتا.
وقال قبل ذلك في باب ذكر المزارات : وشوهد بالمدرسة الحلاوية الحنفية بحلب مذبح من الرخام الملكي الشفاف الذي يقرب النصارى عليه القربان ، وهو من أحسن الرخام صورة ، إذا وضع تحته ضوء يرى من وجهه ، فسئل عن ذلك فقيل إن نور الدين محمود بن زنكي أحضره من أفامية سنة أربع وأربعين ووضعه في هذه المدرسة ، وعليه كتابة باليونانية فعربت فكانت (إنه عمل هذا للملك فلطيانس والنسر الطائر في أربعة عشر درجة من برج العقرب) قال : فيكون مقدار ذلك ثلاثة آلاف سنة إلى أيام نور الدين الشهيد المذكور.