وكان هولاكو قد ولاه قضاء قضاة الشام من العريش إلى قنسرين وعظمه وألبسه الخلعة بذلك ، فاستدعاهما كتبغا من الشام إلى البقاع واستشارهما في ذلك ، فمنهم من أشار بعدم الملتقى والاندفاع بين يدي الملك المظفر إلى أن يجيئه مدد من هولاكو ، ومنهم من أشار بغير ذلك فاقتضى رأي كتبغا الملتقى وتوجه على فوره على كره ممن أشار بالاندفاع لما أراد الله من إعزاز الإسلام وأهله وإذلال الشرك وحزبه ، فحصل التقاء العساكر على عين جالوت في يوم الجمعة خامس عشرين رمضان سنة ثمان وخمسين وستمائة ، فانكسرت ميسرة المسلمين كسرة شنيعة فحمل الملك المظفر رحمهالله في طائفة عظيمة من أول البصاير (هكذا) فكسرهم كسرة شنيعة أتت على أكثر أعيانهم وأصيب كتبغا نوين وقتل ، قتله الأمير جمال الدين آقوش الشمسي على ما قيل ولم يعرفه ، فولوا الأدبار ولا يلوون على شيء ، واعتصم طائفة منهم بالجبل المجاور لمكان الوقعة فأحدقت بهم العساكر وصابروهم حتى أفنوهم قتلا ، ونجا من نجا بحشاشته وأهل البلاد يتخطفونهم ، ولما تمت الكسرة قيل للملك المظفر إن كتبغا قد هرب وكان قد أحضر ولده أسيرا فقال قطز : أبوك هرب ، فقال : لا أبي ما يهرب أبصروه في القتلى ، فأحضرت عدة رؤوس وعرضوها على ولده وهو يقول ما هو هذا إلى أن أحضروا رأسه فقال : هذا هو ، وبكى ، ثم قال للملك المظفر وهو بين يديه ما معناه : نم طيبا ما بقي لك عدو تخاف منه ، هذا هو كان سعادة التتار به يهزمون الجيوش وبه يفتحون الحصون ، وكذا كان لم يفلحوا بعده ولله الحمد والمنة. وكان مقتل كتبغا يوم المصاف الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة ثمان وخمسين وستمائة اه.
ذكر ما كان بعد انتهاء هذه الوقعة
قال أبو الفداء : ولما انقضى أمر المصاف أحسن المظفر قطز إلى الملك المنصور صاحب حماة وأقره على حماة وبارين وأعاد إليه المعرة وكانت في أيدي الحلبيين من حين استولوا عليها في سنة خمس وثلاثين وستمائة ، وأخذ سلمية منه وأعطاها أمير العرب. وأتم الملك المظفر السير بالعساكر وصحبته الملك المنصور صاحب حماة حتى دخل دمشق وتضاعف شكر المسلمين لله تعالى على هذا النصر العظيم ، فإن القلوب كانت قد يئست من النصرة على التتر لاستيلائهم على معظم بلاد الإسلام ، ولأنهم ما قصدوا إقليما إلا فتحوه ولا عسكرا إلا هزموه ، فابتهجت الرعايا بالنصرة عليهم وبقدوم الملك المظفر قطز إلى