وارتفاعها ، فغلب على الظنون تعذر فتحها وتأخر ملكها ، وشق على المسلمين قلة الماء عندهم ، إلا أن صلاح الدين نصب الحياض وأمر بحمل الماء إليها فخفف الأمر عليهم ، فبينما هو على هذه الحال إذ قد فتح باب القلعة وخرج منه إنسان يطلب الأمان فأجيب إلى ذلك ، فأذن له في الحضور ، فحضر وطلب الأمان لمن في الحصن حتى يسلموه إليه بما فيه على قاعدة درب ساك ، فأجابهم إلى ما طلبوا ، فعاد الرسول ومعه الأعلام الإسلامية فرفعت على رأس القلعة ، ونزل من فيها وتسلم المسلمون القلعة بما فيها من ذخائر وأموال وسلاح ، وأمر صلاح الدين بتخريبه فخرب ، وكان ذلك مضرة عظيمة على المسلمين فإن ابن ليون صاحب الأرمن خرج إليه من ولايته وهو مجاوره فجدد عمارته وأتقنه وجعل فيه جماعة من عسكره يغيرون منه على البلاد فتأذى بهم السواد الذي لحلب وهو الآن بأيديهم اه.
ذكر الهدنة بين صلاح الدين وصاحب أنطاكية
قال القاضي ابن شداد : كان فتح بغراس ثاني شعبان ، وفي بقية ذلك اليوم عاد السلطان رحمهالله إلى المخيم الأكبر وراسله أهل أنطاكية في طلب الصلح فصالحهم لشدة ضجر العسكر وقوة قلق عماد الدين صاحب سنجار في طلب الدستور. وعقد الصلح بيننا وبين أنطاكية من بلاد الفرنج لا غير على أن يطلقوا جميع أسارى المسلمين الذين عندهم ، وكان إلى سبعة أشهر ، فإن جاءهم من ينصرهم وإلا سلموا البلد إلى السلطان. ورحل يطلب دمشق فسأله ولده الملك الظاهر أن يجتاز به فأجابه ، وسار حتى أتى حلب حادي عشر شعبان وأقام بقلعتها ثلاثة أيام وولده يقوم بالضيافة حق القيام ، ولم يبق للعسكر إلا من ناله من نعمته منال ، وأكثر ظني أنه أشفق عليه والده. وسار من حلب يريد دمشق فاعترضه ابن أخيه الملك المظفر تقي الدين وأصعده إلى قلعة حماة واصطنع له طعاما حسنا وأحضر له سماع الصوفية ، وبات فيها ليلة واحدة وأعطاه جبلة واللاذقية ، وسار على طريق بعلبك حتى أتاها وأقام بمرجها ودخل إلى حمامها ، ثم أتى دمشق فأقام بها حتى دخل شهر رمضان ، وما كان يرى تخلية وقته عن الجهاد مهما أمكنه ، وكان قد بقي له من القلاع القريبة من حوران التي يخاف عليها من جانبها وصفد وكوكب ، فرأى أن يشغل الوقت بفتح المكانين في الصوم.