سنة ٥٥٨
ذكر انهزام نور الدين محمود من الفرنج
قال ابن الأثير : في هذه السنة انهزم نور الدين محمود بن زنكي من الفرنج تحت حصن الأكراد [بلدة صغيرة قريبة من طرابلس فوق جبل عال يراها المتوجه من حمص إلى طرابلس من بعيد]. وهي الوقعة المعروفة بالبقيعة تحت حصن الأكراد محاصرا لها وعازما على قصد طرابلس ومحاصرتها. فبينما الناس يوما في خيامهم وسط النهار لم يرعهم إلا ظهور الفرنج من وراء الجبل الذي عليه حصن الأكراد ، وذلك أن الفرنج اجتمعوا واتفق رأيهم على كبسة المسلمين نهارا فإنهم يكونون آمنين ، فركبوا من وقتهم ولم يتوقفوا حتى يجمعوا عساكرهم وساروا مجدين ، فلم يشعر بذلك المسلمون إلا وقد قربوا منهم ، فأرادوا منعهم فلم يطيقوا ذلك ، فأرسلوا إلى نور الدين يعرفونه الحال ، فرهقهم الفرنج بالحملة فلم يثبت المسلمون ، وعادوا يطلبون معسكر المسلمين والفرنج في ظهورهم ، فوصلوا معا إلى العسكر النوري فلم يتمكن المسلمون من ركوب الخيل وأخذ السلاح إلا وقد خالطوهم فأكثروا القتل والأسر ، وكان أشدهم على المسلمين الدوقس الرومي ، فإنه كان قد خرج من بلاده إلى الساحل في جمع كثير من الروم فقاتلوا محتسبين في زعمهم فلم يبقوا على أحد ، وقصدوا خيمة نور الدين وقد ركب فيها فرسه ونجا بنفسه ، ولسرعته ركب الفرس والشبحة في رجله فنزل إنسان كردي قطعها فنجا نور الدين وقتل الكردي فأحسن نور الدين إلى مخلفيه ووقف عليهم الوقوف.
ونزل نور الدين على بحيرة قدس بالقرب من حمص وبينه وبين المعركة أربع فراسخ وتلاحق به من العسكر وقال له بعضهم : ليس من الرأي أن تقيم ههنا فإن الفرنج ربما حملهم الطمع على المجيء إلينا فنؤخذ ونحن على هذا الحال ، فوبخه وأسكته وقال : إذا كان معي ألف فارس لقيتهم ولا أبالي بهم ، وو الله لا أستظل بسقف حتى آخذ بثأري وثأر الإسلام.
ثم أرسل إلى حلب ودمشق وأحضر الأموال والثياب والخيام والسلاح والخيل فأعطى الناس عوض ما أخذ جميعه بقولهم فعاد العسكر كأن لم تصبه هزيمة ، وكل من قتل أعطي إقطاعه لأولاده.